التفاسير

< >
عرض

قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ
٩٨
قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَآءُ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
٩٩
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ
١٠٠
-آل عمران

تأويلات أهل السنة

قوله: { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ }:
[وآيات الله] ما ذكرنا فيما تقدم بمحمّد صلى الله عليه وسلم بالقرآن والحجج.
{ وَٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ }:
هو حرف وعيد وتنبيه؛ ينبئهم عن صنيعهم؛ ليكونوا على حذر من ذلك.
وقوله: { لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً }.
يحتمل قوله: { لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ } من الأتباع الذين كان إيمانهم إيمانَ تقليدٍ، لا إيماناً بالعقل؛ لأن من كان إيمانه إيمانا بالعقل فهو لا يصد، ولا يصرف عنه أبداً؛ لما عرف حسن الإيمان وحقيقته بالعقل، فهو لا يترك أبداً، وأما من كان إيمانه إيمان تقليد: فلم يكن إيمانهُ إيمانَ حقيقة، فمثله يصد عنه، إلا أن من يمن الله عليه فيشرح صدره؛ حتى يكون على نور منه، وذلك أحد وجوه اللطف.
والمقلد غير معذور؛ لما معه [ما] لو استعمله لأوضح له الطريق، وأراه قبح ما آثر من التقليد، ولا قوة إلا بالله.
ويحتمل قوله: { لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ }، أي: لم تقصدون قصد صدهم عن سبيل الله، وهم لا يرجعون إلى دينكم، أيأس منه إياهم عن أن يرجعوا عن دينهم الذي عليه؛ كقوله:
{ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } [المائدة: 3] فيه إياس الكفرة عن رجوع المسلمين إلى دينهم.
وقيل: كانوا يصرفون المؤمنين عن الحجج.
وقوله: { تَبْغُونَهَا عِوَجاً }، والعوج: هو غير طريق الحق، وهو الزيغ والتعوج عن الحق.
وقوله: { وَأَنْتُمْ شُهَدَآءُ }، { وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ }: واحدٌ، وفي حرف حفصة - رضي الله عنها -: "وأنتم شهداء على الناس".
وقوله: { وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }: هو حرف وعيد وتنبيه؛ لأن من علم أن عليه رقيباً وحافظاً، يكون أحذر وأخوف ممن لم يكن عليه ذلك.
قال الشيخ -رحمه الله -: وفيه أنه لا غفلة بالذي يكون منكم خلقكم، ولكن على علم؛ لتعلموا أنه لا للحاجة خلقكم؛ بل لإظهار الغنى والسلطان، جلّ جلاله، وعم نواله.
وقوله: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } الآية.
الآية تحتمل وجوهاً:
أحدها: معلوم أن المؤمنين لا يطيعون الكفار بحال من الكفر، ولكن معناه - والله أعلم - أن يدعوهم إلى شيء لا يعلمون أن في ذلك كفراً، نهاهم أن يطيعوهم، وفي كل ما يدعوكم إليه كفر وأنتم لا تعلمون.
ويحتمل: النهي عن طاعتهم، نهاهم عن أن يطيعوهم، وإن كان يعلم أنهم لا يطيعونهم؛ كما نهي الرسولَ صلى الله عليه وسلم في غير آي من القرآن، كقوله:
{ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ } [الأنعام: 14]، { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } [الأنعام: 114]؛ فكذلك هذا.
قال الشيخ -رحمه الله -: ويشبه أن تكون الآية في عرض أمور عظام ترغب فيها النفس ليكفر بها؛ فحذر عن ذلك بما بين من الاعتناد والخسار في آية أخرى؛ ليعلموا أن ذلك تجارة مخسرة، وقد كانت لهم ولأهل كل دين ومذهب هذا الاعتناد، والله أعلم.