التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
١١٦
مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
١١٧
-آل عمران

تأويلات أهل السنة

قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً }:
قال الشيخ -رحمه الله -: فهو - والله أعلم - أن بمثله يكون التناصر في الدُّنيا، لكن الذي كان فيها لا ينفع في الآخرة، بل يكون كما قال الله - عز وجل -:
{ يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ... } الآية [عبس: 34]، ثم لا مال له، ثم ولا لو كان فينفع؛ وذلك أنهم ظنوا أن كثرة الأموال والأولاد تمنعهم من عذاب الله؛ كقولهم: { نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } [سبأ: 35]، فأخبر الله - عز وجلّ -: أن كثرة الأموال والأولاد لا تغني عنهم من عذاب الله شيئاً.
وقوله: { مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ }:
ضرب مثل نفقة الكفار التي أنفقوها بريح فيها صر أصابت حرث قوم، وذلك - والله أعلم - أنهم كانوا ينفقون ويعملون جميع الأعمال: من عبادة الأصنام والأوثان، ويقولون:
{ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [الزمر: 3] ظنوا أن تلك الأعمال والنفقات التي أنفقوها في صد الناس - تنفعهم في الآخرة، وتقربهم إلى الله، فأخبر أنها لا تنفع، فكان كالريح التي فيها صرّ وبرد، ظنوا أن فيها رحمة، وشيئاً ينفع زروعهم، وينمو بها، فإذا فيها نار أحرقت حرثهم؛ كما طمعوا من أعمالهم ونفقاتهم التي في الدنيا - بالآخرة؛ قربة وزلفة إليه، فإذا هي مهلكة لأبدانهم؛ كالريح التي فيها صرّ كانت مهلكة؛ محرقة لزورعهم وحرثهم، والله أعلم.
والصرّ: هو البرد الشديد. وقيل: الصر: الصوت؛ كقوله:
{ فَأَقْبَلَتِ ٱمْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا } [الذاريات: 29].
قيل: هي الصوت.
قيل: مثل ما ينفقون في الصدّ عن سبيل الله، وفي قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كقوله:
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ... } الآية [الأنفال: 36]، أي: يتأسفون على ما أنفقوا تأسف صاحب الزرع على ما كان أنفق فيه، والله أعلم.
وقوله: { وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }: والظلم: ما ذكرنا: هو وضع الشيء في غير موضعه، فهو - والله أعلم - قال: هم الذين وضعوا أنفسهم في غير موضعها، لا أن وضع الله أنفسهم ذلك الموضع؛ لأنهم عبدوا غير الله، ولم يجعلوا أنفسهم خالصين سالمين لله، فهم الذين ظلموا أنفسهم؛ حيث أسلموها لغير الله، وعبدوا دونه، فذلك وضعها في غير موضعها؛ لأن وضعها موضعها هو أن يجعلوها خالصة لله، سالمة له.
وقيل: ما ضروا الله بعبادتهم غيره وبكفرهم به، إنما ضروا أنفسهم؛ إذ لا حاجة له إلى عبادتهم، والله الموفق.
قال الشيخ -رحمه الله -: تقديم وتأخير، وأصل ذلك أن الله قد وضع كل نفس الخلقة بموضع العبودية، فجعلوها عبدة غيره.