التفاسير

< >
عرض

مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْبِ وَلَكِنَّ ٱللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَآءُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ
١٧٩
-آل عمران

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ }:
قيل فيه بوجوه:
قيل: لا يترك الله المؤمنين على ما أنتم عليه أيها المنافقون؛ ولكن يمتحنكم بالجهاد وبأنواع المحن؛ ليظهر المنافق لهم من المؤمن.
وقيل: ليظهر الكافر لهم من المؤمن المصدق.
وقيل: فيه بوجه آخر: وذلك أن المنافقين كانوا يطعنون لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستهزئون بهم سرّاً؛ فقال الله - عز وجل -: لا يدع المؤمنين على ما أنتم عليه من الطعن فيهم؛ والاستهزاء بهم؛ ولكن يمتحنكم بأنواع المحن؛ لتفتضحوا وليظهر نفاقكم عندهم.
ويحتمل وجهاً آخر: وهو أن قوله: { مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ }، أي: لا يدع المؤمنين على ما أنتم عليه من النفاق والكفر في دار واحدة؛ ولكن يجعل لكم داراً أخرى يميمز فيها الخبث من الطيب. [يجعل الخبيث في النار، والطيب في الجنة؛ كقوله - عز وجل -:
{ لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ] وَيَجْعَلَ ٱلْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ } الآية [الأنفال: 37].
وقوله: { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْبِ }:
قيل فيه بوجهين:
قيل: إنهم كانوا يقولون: لا نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي الأنبياء؛ كقولهم:
{ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِ } [الأنعام: 124]؛ ومثل قوله: { بَلْ يُرِيدُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَىٰ صُحُفاً مُّنَشَّرَةً } [المدثر: 52]؛ فعلى ذلك قوله: { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْبِ } إلا من اجتباه لوحيه، وجعله موضعاً لرسالته، أي: لا يجعلكم رسلاً؛ إذ علم الغيب آية من آيات رسالته، والله أعلم.
وقيل: إن الشياطين كانوا يصعدون إلى السماء، فيسترقون؛ فيأتون بأخبارها إلى الكهنة قبل أن يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إن الكهنة يخبرون بها غيرهم من الكفرة؛ فأنزل الله تعالى: { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْبِ }: بعدما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيّاً، كما كنتم تطلعون على أخبار السماء قبل بعثه.
{ وَلَكِنَّ ٱللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَآءُ }
أي: يصطفي من يشاء، فيجعله رسولاً، فيوحي إليه ذلك، أي: ليس الوحي من السماء إلى غير الأنبياء، عليهم السلام.
ويحتمل قوله - تعالى -: { يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَآءُ }، أي: لا يُطْلِعُ أحداً منكم على الغيب إلا من اجتباه منكم لرسالته.
ويحتمل [قوله]: { يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَآءُ }، أي: لا ينسخ شرائعه وأحكامه برسول آخر؛ نحو ما بَيْن موسى إلى عيسى - عليهما السلام - ولكنه إن كان فيما بينهما نبي لم يجعل له أحكاماً سوى أحكام موسى - عليه السلام - أبقى تلك الأحكام والشرائع؛ وكذلك ما بين عيسى إلى محمد - عليهما الصلاة والسلام - فاجتبى هؤلاء؛ لإبقاء شرائعهم وأحكامهم، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ }:
ظاهر
{ وَإِن تُؤْمِنُواْ }: برسله كلهم.
{ وَتَتَّقُواْ }: المعاصي.
{ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ }
ويحتمل: { وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ } الشرك [فلكم أجر عظيم].