التفاسير

< >
عرض

يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً
١
وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَـيْكَ مِن رَبِّكَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً
٢
وَتَوَكَّلْ عَلَىٰ ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً
٣
-الأحزاب

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ }.
جائز أن يكون ظاهر الخطاب وإن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم: فهو للناس عاما؛ ألا ترى أنه قال على أثره: { وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَـيْكَ مِن رَبِّكَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } خاطب به الجماعة، وقد خاطب رسوله في غير آي من القرآن، والمراد به غيره؛ فعلى ذلك جائز أن يكون هذا كذلك.
ويشبه أن يكون المراد بالخطاب - أيضاً - خاصة، لكن إن كان ما خاطب به مما يشترك فيه غيره - دخل في ذلك الخطاب وفي ذلك النهي، وإن كان مما يتفرد به من نحو: تبليغ الرسالة إليهم، وما تضمنته الرسل، وإن خاف على نفسه القتل والهلاك فإن عليه ذلك لا محالة، كقوله:
{ يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ... } الآية [المائدة: 67].
وأما أهل التأويل فمما اختلفوا فيه:
قال بعضهم: نزلت الآية، وذلك أن نفرا من أهل مكة - أبو سفيان بن حرب، وعكرمة ابن أبي جهل، وأبو الأعور السلمي، وهؤلاء - قدموا المدينة، فدخلوا على عبد الله بن أبي رئيس المنافقين بعد قتلى أحد، وقد أعطاهم النبي الأمان على أن يكلموه، فقالوا للنبي وعنده عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: ارفض ذكر آلهتنا اللات والعزى ومنات، وندعك وربك؛ فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأنزل الله - تعالى - هذه الآية: { ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ }، وفيهم نزل:
{ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّـلْ عَلَى ٱللَّهِ } [الأحزاب: 48].
وفي بعض الروايات: قالوا ذلك - وعنده عمر بن الخطاب - فقال:
"يا رسول الله، ائذن لي في قتلهم؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني قد أعطيتهم الأمان" ، فإن كان على هذا فالنهي: عن نقض العهد والأمان.
وإن كان على الأول: فالنهي عن اتباع ما طلبوا منه من رفض آلهتهم والعبادة لها.
وبعضهم يقولون: إن أهل مكة نحو: شيبة بن ربيعة وهؤلاء قالوا له: إنا نعطيك يا محمد كذا كذا من المال، ونزوجك كذا كذا امرأة كثيرة المال؛ فارفضنا وآلهتنا؛ وإلا قتلك المنافقون: فلان وفلان، عدّوا نفراً؛ فأنزل الله - تعالى - الآية في ذلك بالنهي عن اتباع ما طلبوا منه ودعوه إليه، وأمره بالتوكل على الله في ترك الاتباع لهم.
وأصله ما ذكرنا: أن النهي - وإن كان له خاصة - فيما ذكر فهو - وإن كان معصوماً - فالعصمة لا تمنع الأمر والنهي - بل العصمة إنما تنفع إذا كان ثمة نهي وأمر؛ إذ لولا النهي والأمر لكان لا معنى للعصمة ولا منفعة لها، والله أعلم.
وقوله: { ٱتَّقِ ٱللَّهَ }: في ترك تبليغ الرسالة إليهم، { وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ } في اتباع ما دعوك إليه وطلبوا منك، أو في غيره.
{ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }.
{ عَلِيماً } بما كان ويكون منهم، أي: على علم بما يكون منهم من التكذيب والردّ عليك بعثك، لا على جهل، { حَكِيماً }: في ذلك، أي: بعثه إياك إليهم، على علم بما يكون منهم من التكذيب والرد، لا يخرجه عن الحكمة، ليس كملوك الأرض: إذا أرسل بعضهم إلى بعض رسالات وهدايا، على علم من المرسل أن المبعوث إليه يرد الرسالة والهدية يكون سفهاً؛ لأنهم يبعثون ويرسلون لحاجة أنفسهم، أعني: أنفس المرسلين، فإذا أرسلوا على علم منهم بالردّ والتكذيب كان ذلك سفهاً خارجاً عن الحكمة.
فأما الله - سبحانه - إنما يرسل الرسل ويبعثهم لمنفعة أنفسهم وحاجتهم، فعلمه بالرد والتكذيب لا يخرجه عن الحكمة.
وقوله - تعالى -: { وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَـيْكَ مِن رَبِّكَ }.
هذا يحتمل الخصوص له على ما ذكرنا، ويحتمل العموم على ما ذكرنا في آية أخرى:
{ ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ } [الأعراف: 3] يدل على ذلك قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }: خاطب به الكل - والله أعلم - وهو ما ذكرنا أنه على علم بما يكون منهم من التكذيب والردّ.
وقوله: { وَتَوَكَّلْ عَلَىٰ ٱللَّهِ }.
أي: اعتمد على الله في تبليغ الرسالة، ولا تخف أذاهم.
{ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً }.
أي: حافظاً يحفظك ويمنعهم عنك، كقوله:
{ يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } [المائدة: 67].