التفاسير

< >
عرض

لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَٱشْكُرُواْ لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ
١٥
فَأَعْرَضُواْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ ٱلْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ
١٦
ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ وَهَلْ نُجَٰزِيۤ إِلاَّ ٱلْكَفُورَ
١٧
وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ٱلْقُرَى ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسَّيْرَ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ
١٨
فَقَالُواْ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ
١٩
وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَٱتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ
٢٠
وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِٱلآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفُيظٌ
٢١
-سبأ

تأويلات أهل السنة

قوله: { لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ }.
يحتمل الآية التي ذكر لهم في مساكنهم: الجنتين اللتين ذكرهما: إحداهما عن اليمين، والأخرى عن الشمال، ويكون لهم فيها عبرة، فتحملهم على الشكر لربهم عليهما؛ والحمد له، والثناء عليه في تلك النعم.
أو يذكرهم قدرة خالقهم وسلطانه وهيبته؛ فيحملهم ذلك على الخوف في العواقب، والعقاب على خلافه، ورجاء الثواب على طاعته، فلم يتذكروا.
أو أن يكون الآية التي ذكر لهم في تبديل الجنتين اللتين كان لهم فيهما كل سعة وخصب، وكل ألوان الفواكه والجواهر، على غير مؤنة تلحقهم؛ لأنه قال في غير آي من القرآن:
{ قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ ثُمَّ ٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } [الأنعام: 11] فأخبر هاهنا لهم أن لهم في تبديل جنتيهم جنتين آية لو اعتبروا واتعظوا؛ فلا يقع لهم الحاجة إلى النظر في آثار من تقدم منهم، بل العبرة في ذلك لهم أكثر؛ لأنهم عاينوا هذا على ما عاينوا من أنواع النعم، ثم غير ذلك وبدّل عليهم، وما تقدم منهم إنما يعرفون ذلك عن خبر يبلغهم؛ لأن أصلهم قد هلكوا، وهذا على المشاهدة والمعاينة.
وقوله: { عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ }.
قيل: عن يمين الوادي وشماله، ويحتمل: عن يمين الطريق وشماله؛ فتكون عن يمينهم وشمالهم.
وقوله: { كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَٱشْكُرُواْ لَهُ }.
كأنه قالت لهم الرسل: { كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَٱشْكُرُواْ لَهُ }؛ إذ ذكر أنه بعث فيهم كذا كذا رسولا.
ثم وصف بلدة سبأ أنها طيبة؛ حيث قال: { بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ }:
يحتمل ما ذكر من طيبها: هو سعتها وكثرة ريعها ومياهها وألوان ثمارها وفواكهها.
وقوله: { وَرَبٌّ غَفُورٌ }، أي: إن ربكم إن شكرتم فيما رزقكم وأنعم عليكم رب غفور لذنوبكم.
أو يقال: { وَرَبٌّ غَفُورٌ }، أي: ستور، يستر عليكم ذنوبكم، ولا يفضحكم إذا صدقتموه، وأطعتموه، وشكرتم نعمه.
ذكر أن المرأة منهم كانت تحمل المكتل على رأسها، والمغزل بيدها، فتدخل البستان؛ فتمتلئ مكتلها من ألوان الفواكه والثمار من غير أن تمس شيئاً بيدها؛ لكثرة ريعها ونزلها، والله أعلم.
ثم ذكر سبب تبديل الجنتين اللتين كانت لهم، وبم كان التبديل؟ وهو ما قال: { فَأَعْرَضُواْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ ٱلْعَرِمِ }.
قال بعضهم: كان أهل سبأ إذا مطروا يأتيهم السيل من مسيرة شهر أياماً كثيرة، فعمدوا فسدّوا العرم، وهو الوادي ما بين الجنتين، بالصخرة والقبو، وجعلوا عليه الأبواب، فلما عصوا ربهم، فأعرضوا عنه، وكفروا نعمه؛ فسلط الله عليهم - على ذلك السدّ الذي بنوا الفأرة؛ فنقبت الردم، فغشي الماء أرضهم؛ فعقر أشجارهم، وأباد أنعامهم، ودفن محاريثهم، وذهب بجناتهم.
ومنهم من يقول: { ٱلْعَرِمِ }: وهو المسنَّاة، واحدها: عرمة، فذهب السيل الذي أرسل عليهم بالمسناة؛ فيبست جناتهم، وأبدل لهم مكان الثمار والأعناب ما ذكر من الخمط والأثل والسدر؛ حيث قال: { ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ }.
الأكل القليل هو الثمر، والخمط: الأراك.
وقال بعضهم: شجر العضاة، وهي شجر ذات شوك، والأثل، قيل: هو شبيه بالطرفاء إلا أنه أعظم منه، والسدر هو معروف عندهم.
وقال أبو عوسجة قريباً من ذلك، قال: الأكل: الحمل، والخمط عندي: السدر وحمله، [و] قال: الخمط: الريح الطيبة، وتقول: هذا شجر له خمطة، أي: ريح طيبة، والخمط: أن تأخذ شيئاً من هنا وثمة، وتخلطه، والأثل: شجر أيضاً لا حمل فيه.
والزجاج يقول: الأثل هو الثمرة التي فيها المرارة تذهب تلك المرارة بطعمها، أو كلام نحوه.
وقوله: { ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ }.
أخبر أنه جزاهم بما كفروا نعمه، ولم يشكروا ربهم عليها.
وقوله: { وَهَلْ نُجَٰزِيۤ إِلاَّ ٱلْكَفُورَ }، لله في نعمه.
وقوله: { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ٱلْقُرَى ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً }.
قيل: متواصلة بعضها ببعض من أرضهم إلى الشام، على كل ميل قرية وسوق وكل شيء فيها.
{ وَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسَّيْرَ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ } من الجوع والعطش والسباع وكل ما يخاف منه.
ثم جائز أن يكون ما ذكر من القرى الظاهرة كان لهم مع الجنان التي ذكرنا بدءاً؛ فيكون هذا موصولا بالأول؛ فلما لم يشكروا ربهم في ذلك كله - أبدل لهم الكل بما ذكر.
وجائز أن يكون لا على الصلة بالأول؛ ولكن على ما ذكر بعض أهل التأويل: أنه لما غيّر عليهم ذلك وأبدل - ضاق بهم الأمر؛ فمشوا إلى رسلهم، فقالوا: ادعوا ربكم فليردّ علينا ما ذهب عنا، ونعطيكم ميثاقا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئاً، فدعوه، فردّ الله عليهم، وجعل لهم ما ذكر من قرى ظاهرة؛ فذكّرهم الرسل [ما] وعدوا ربهم؛ فأبوا؛ فغيّر ذلك.
وسبأ:
"ذكر أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أخبرني عن سبأ أجبل هو أم أرض؟ قال: فقال: له: لم يكن جبلا ولا أرضاً، ولكن كان رجلا من العرب ولد عشر قبائل: فأمّا ست فتيامنوا وأما أربع فتشاءموا" .
وقال بعضهم: كان سبأ رجلا اسمه: سبأ، وسبأ هم الذين ذكرهم الله في سورة النمل.
وقال بعضهم: هو اسم قرية.
وفي قوله: { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ٱلْقُرَى ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسَّيْرَ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ } - دلالة خلق الأفعال؛ لأنه أخبر أنه جعل بينهم وبين القرى المباركة قرى ظاهرة، والقرى: ما اتخذها أهلها، ثم أخبر أنه جعل ذلك، والجعل منه خلق؛ دل أنه خلق أفعال العباد، وأخبر - أيضاً - أنه قدر السير فيها، والسير هو فعل العباد، والتقدير هو الخلق أيضاً؛ دل أنه خلق سيرهم، وخلق اتخاذهم القرى، وذلك على المعتزلة؛ لإنكارهم خلق أفعال العباد.
وقوله: { قُرًى ظَاهِرَةً }، قال عامة أهل التأويل: قرى متواصلة بعضها ببعض، يسيرون من قرية إلى قرية، وينزلون فيها من غير أن تقع لهم الحاجة أو يلحقهم مؤنة.
وجائز أن يكون قوله: { قُرًى ظَاهِرَةً } نعمها بينة.
وقوله: { وَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسَّيْرَ }، يحتمل قوله: { وَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسَّيْرَ }، أي: قدرنا فيها السير؛ لتسيروا فيها.
أو على الأمر، أي: قدرنا فيها السير، وقلنا لهم: سيروا فيما أنعم الله عليكم، وتقلبوا فيها ليالي وأياماً آمنين من الجوع والعدو وكل آفة.
وقال بعضهم في قوله: { وَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسَّيْرَ } أي: جعلنا ما بين القرية والقرية مقداراً واحداً.
وقوله: { فَقَالُواْ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا }.
فيه لغات من خمسة أوجه:
أحدها: { رَبَّنَا بَاعِدْ }.
و[الثاني]: { بَعِّدْ }، كلاهما على الدعاء والسؤال.
والثالث و[الرابع]: { بَعُدَ } و{ بَعَّدَ }.
قال أبو معاذ: ولولا تغيير الكتابة لكان يجوز "بُوعِدَ".
ومن قرأه { ربنا بَاعَدَ } على الخبر، وكذلك { بَعَّدَ }، ومن قرأه { بَعُدَ بين أسفارنا } يخرج على الشكاية عما بعد من أسفارهم.
فأمّا على السؤال والدعاء فهو - والله أعلم - لأنهم سئموا وملوا؛ لكثرة ما أنعم الله عليهم؛ ورفع عنهم المؤن، وطال مقامهم فيها، سألوا ربهم أن يحول ذلك عنهم؛ سفها منهم وجهلا، وكان كقوم موسى: حين أنزل عليهم المن والسلوى، ورفع عنهم المؤنة سئموا وملوا في ذلك، وقالوا
{ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ ٱلأَرْضُ مِن بَقْلِهَا } [البقرة: 61]، وما ذكروا، فعلى ذلك هؤلاء.
ومن قرأ { بَعُدَ بين أسفارنا }؛ على الشكاية - شكا إلى ربّه لما ذهب عنهم السعة والخصب، وأصابهم الجهد والمؤنة.
وأمّا قوله: { بَاعَد } على الخبر؛ فكأنه كانت فيهم، وذلك كله منهم: [فيهم] من سأل تحويله، وفيهم من شكا إذا زال ذلك وتحول، وفيهم من أخبر بزواله.
وعلى ذلك يخرج قول موسى لفرعون، حيث قال:
{ قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَـٰؤُلاۤءِ إِلاَّ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ بَصَآئِرَ } [الإسراء: 102] لا أنه كان أحدهما؛ فعلى ذلك الأول وما يشبه ذلك، والله أعلم.
وقوله: { فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ }.
أي: أهلكناهم كل إهلاك؛ حتى صاروا عظة وعبرة لمن بعدهم.
وقال: { فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ } للناس؛ على حقيقة الحديث، يتحدثون بأمرهم وشأنهم.
{ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ }.
أي: فرقناهم كل تفريق، أي: في كل وجه التفريق؛ حتى وقع بعضهم بمكة، وبعضهم بالمدينة، وبعضهم بالشام، وبعضهم بالبحرين وعمان، ونحوه والله أعلم.
وقوله: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ }.
يحتمل أن يكون الصبار والشكور هو المؤمن؛ كأنه قال: إن في ذلك لعبراً وعظات لكل مؤمن.
أو آيات لكل صبار على طاعة الله وأمره، شكور لنعمه.
أو آيات لكل صبار على البلايا والمحارم، شكور لنعم الله.
ثم يخرج على وجهين:
أحدهما: في الاعتقاد له.
والثاني: في المعاملة.
يعتقد الصبر لربه على جميع أوامره ونواهيه، والشكر له على جميع نعمائه، والمعاملة: أن يصبر على ذلك، ويشكر له في نعمه.
وقوله: { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ }.
اختلف في ظنه:
قال بعضهم: ظن بهم ظنا، فوافق ظنه فيهم حين قال:
{ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً } [الإسراء: 62] من عصمت مني، وما قال: { لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً * وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلأَمُرَنَّهُمْ... } [النساء: 118-119] إلى آخر ما ذكر، فقد صدق ما ظن فيهم.
وقال بعضهم: { صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ }، وذلك أن إبليس خلق من نار السموم، وخلق آدم من طين، ثم قال إبليس: إن النار ستغلب الطين؛ فمن ثمة صدق ظنه؛ فقال:
{ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } [الحجر: 39-40].
يقول الله: { فَٱتَّبَعُوهُ }.
ثم استثنى عباده المخلصين فقال: { إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }.
يعني: عباده المخلصين؛ فإنهم لم يتبعوه، الذين قال:
{ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } [الحجر: 42].
وقال قائلون: { مِّنَ } هاهنا صلة؛ كأنه قال: { فَٱتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }، الذين هم [مؤمنون] في الحقيقة، فأمّا من كان عندكم من المؤمنين في الظاهر فقد اتبعوه؛ لأنه لا كل مؤمن عندنا هو في الحقيقة مؤمن.
أو أن يكون قوله: { فَٱتَّبَعُوهُ } فيما دعاهم إليه، والله أعلم.
وقوله: { وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ }.
قال الحسن: والله ما ضربهم بالسيف، ولا طعنهم بالرمح، ولا أكرههم، على شيء، وما كان منه إلا غرور أو أمانيُّ ووسوسة دعاهم إليها، فأجابوه.
وقال بعضهم: قوله: { وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ }، أي: حجة، ليس له حجة عليهم، أي: لم يمكن من الحجة؛ ولكن إنما مكن لهم الوساوس والتمويهات، ثم جعل الله للمؤمنين مقابل ذلك حججا يدفعون بها شبهه وتمويهاته.
وقوله: { إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِٱلآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ }.
هذا يخرج على وجوه:
أحدها: ليعلم كائنا ما قد علمه غائبا عنهم.
والثالث: يكني بالعلم [عن] معلومه، أي: ليكون المعلوم، وذلك جائز في اللغة؛ كقوله:
{ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ } [الحجر: 99] أي: الموقن به، وذلك كثير في القرآن.
وقوله: { وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفُيظٌ }.
من الإيمان والشرك وغيره من الأعمال، حفيظ عالم به.