التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ
١١٤
وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ
١١٥
وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُواْ هُمُ ٱلْغَٰلِبِينَ
١١٦
وَآتَيْنَاهُمَا ٱلْكِتَابَ ٱلْمُسْتَبِينَ
١١٧
وَهَدَيْنَاهُمَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ
١١٨
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي ٱلآخِرِينَ
١١٩
سَلاَمٌ عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ
١٢٠
إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ
١٢١
إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ
١٢٢
-الصافات

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ }.
يحتمل ما ذكر من المنة عليهما الرسالة والنبوة التي أعطاهما، والآيات والحجج التي أعطاهما وخصهما بهما [و] الذي أبقى لهما الذكر والثناء الحسن عليهم في الآخرين؛ لقوله - عز وجل -: { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي ٱلآخِرِينَ * سَلاَمٌ عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ }، وإنما أوجب عليهم ذكر المنن والنعم التي خصهم بها وفضلهم من بين غيرهم، وأما أن يوجب عليهم ذكر كل ما من عليهم وأنعم عليهم، فذلك ليس في وسع أحد القيام بذكر جميع ما من عليهم وأنعم والشكر لها، وإنما يجب القيام بذكر ما خصوا بها ظاهراً وإن كان في الجملة أخذ عليهم أن يروا جعل النعم والمنن من الله جل وعز فضلا منه وإنعاماً لا حقا عليه بقوله - عز وجل -: { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ } ما خصوا به من الرسالة والنبوة والآيات والحجج التي وقعت لهم الخصوص، فأما في كل ما من عليهم وأنعم فلا على ما ذكرنا: أن ليس في وسع أحد القيام بشكر أحد نعمه في عمره وإن طال، والله أعلم.
وقوله - عز جل -: { وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ }.
قال عامة أهل التأويل: قوله - عز وجل -: { وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ }، أي: من الغرق، ولكن جائز أن يكون { مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } الذي نجاهم منه ما ذكر من قتل الرجال واستحياء النساء، حيث قال:
{ يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ... } الآية [الأعراف: 141]، وما استعبدوهم واستخدموهم، أنجاهم الله من ذلك الذل وأنواع البلايا والشدائد التي كانت عليهم؛ كقوله - عز وجل -: { وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ... } [الأعراف: 137] أخبر أنهم كانوا مستضعفين، فأنجاهم الله من ذلك كله، وهو الكرب العظيم.
وقوله - عز وجل -: { وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُواْ هُمُ ٱلْغَٰلِبِينَ }.
يحتمل قوله: { وَنَصَرْنَاهُمْ } بالحجج والآيات التي أعطاهم.
أو { وَنَصَرْنَاهُمْ } حيث أنجاهم وأهلك فرعون والقبط، والله أعلم.
وقوله: { وَآتَيْنَاهُمَا ٱلْكِتَابَ ٱلْمُسْتَبِينَ }: التوراة.
ثم يحتمل قوله: { ٱلْكِتَابَ ٱلْمُسْتَبِينَ } وجهين:
أحدهما: استبان لكل من عقل ونظر أنه من عند الله نزل؛ لأن التوراة نزلت ظاهراً في الألواح ليست كالقرآن لا يعرف أنه من عند الله نزل إلا بعد التأمل والنظر؛ لأنه نزل في الأوقات الخالية التي [لم] يطلع عليه أحد سرّاً عن ظهر القلب.
والثاني: أنه استبان لكل من نظر فيها ما لهم وما عليهم وما يؤتى وما يتقى.
وقوله - عز وجل -: { وَهَدَيْنَاهُمَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ }.
يحتمل الصراط الذي من سلكه أفضاه إلى مقصوده، وبلغه إلى الصراط المستقيم؛ لما بالحجج والبراهين قام لا بهوى الأنفس.
وقوله - عز وجل -: { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي ٱلآخِرِينَ * سَلاَمٌ عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ }.
هو ما ذكرنا فيما تقدم: أنه أبقى لهما الثناء الحسن في الآخرين، وهو السلام الذي ذكر، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ }.
أي: إنا كذلك نبقي ونترك لكل محسن الثناء الحسن في الآخرين كما تركنا لهؤلاء، وهو المعروف في الناس: أن كل محسن صالح وإن مات فإنه يذكر بالخير بعده ويثنون عليه بالثناء الحسن، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ }.
يحتمل الوجوه التي ذكرنا فيما تقدم.
من عبادنا المؤمنين قبل الرسالة.
أو من عبادنا المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم.
أو من عبادنا المؤمنين الذين حققوا الإيمان قولا وفعلا، والقيام بوفاء ما وجب بعقد الإيمان وعهدته، والله أعلم.