التفاسير

< >
عرض

لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً
١١٤
وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً
١١٥
-النساء

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ }.
اختلف في النجوى.
قيل: النجوى: القوم؛ كقوله:
{ وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ } [الإسراء: 47]، أي: رجال.
وقيل: النجوى: هي الإسرار؛ كقوله:
{ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلاَثَةٍ... } الآية [المجادلة: 7].
ثم استثنى: { إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ... } الآية.
فإن كان التأويل من النجوى هو فعل النجوى خاصة؛ فكأنه قال: لا خير في كثير من نجواهم إلا الأمر بالصدقة، والأمر بالمعروف، والإصلاح بين الناس. وإن كان تأويل النجوى هو القوم، فكأنه قال: والله أعلم: "لا خير في كثير منهم إلى من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس" وكان هذا أقرب.
ومعنى الثنيا من الكثير فيما يرجع إلى القوم؛ فكأنه قال: لا خير في كثير منهم إلا من يرجع أمره إلى ما ذكر؛ فيصير إلى خير.
وقد يحتمل: أن قوماً منهم يرجع نجواهم إلى خير، وهم أقلهم، ومن الفعل، على أن الفعل ربما يكون فعل خير، وإن كانوا أهل النفاق والكفر، لكن بين أنه غير مقبول إلا أن يبتغي به مرضاة الله، وذلك لا يكون إلا أن يؤمنوا، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }.
قيل: لما تبين خيانته لرسول الله صلى الله عليه وسلم استحيا أن يقيم بالمدينة؛ فارتد، ولحق بمكة كافراً؛ فنزل قوله - تعالى -: { وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ } يقول: يخالف الرسول: { مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }.
وعن ابن عباس - رضي الله عنه -: { مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ }، يقول: من بعد ما كان كافراً تبين له الإسلام وأسلم.
وقال: لما أبان أمر طعمة، وعلم أنه سرق الدرع - أنزل الله - تعالى -:
{ وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا } [المائدة: 38]؛ قيل له: يا طعمة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاطِعُك؛ فخرج هارباً إلى مكة.
وقوله - عز وجل -: { وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } يعني: [غير] دين المؤمنين.
وفي حرف ابن مسعود - رضي الله عنه -: "ويسلك غير سبيل المؤمنين".
وقوله - عز وجل -: { نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ }.
اي: نتركه وما تولى من ولاية الشيطان.
وقيل: ندعه وما اختار من الدين غير دين المؤمنين.
{ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ }، أي: ندخله جهنم في الآخرة.
وقيل: قوله: { نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ }، أي: نوله في الآخرة ما تولى في الدنيا.
{ وَسَآءَتْ مَصِيراً }.
يقول: بئس المصير صار إليه.
وقوله - تعالى -: { نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ } أنه تولى الشيطان؛ فجعله الله وليّاً؛ كقوله - تعالى -: { وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيْطَٰنَ وَلِيّاً }، وغير ذلك، ويكون نخذله فيما اختاره، ونكون نجزه جزاء توليه، ويكون بخلق توليه منه جوراً باطلا، مهلكاً له، والله أعلم.