التفاسير

< >
عرض

قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَمَّا جَآءَنِيَ ٱلْبَيِّنَـٰتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ
٦٦
هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَـبْلُغُوۤاْ أَشُدَّكُـمْ ثُمَّ لِتَكُـونُواْ شُيُوخاً وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوۤاْ أَجَلاً مُّسَمًّى وَلَعَلَّـكُمْ تَعْقِلُونَ
٦٧
هُوَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فيَكُونُ
٦٨
-غافر

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَمَّا جَآءَنِيَ ٱلْبَيِّنَـٰتُ مِن رَّبِّي }.
كان الكفرة دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبادة ما عبدوا هم من الأصنام، فقال: إني نهيت عن ذلك، وهو كما ذكر في غير آي من القرآن، حيث قال:
{ قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ } [الزمر: 11]، وقوله - عز وجل -: { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ } [الأنعام: 14] وغير ذلك من الآيات.
وقوله: { لَمَّا جَآءَنِيَ ٱلْبَيِّنَـٰتُ مِن رَّبِّي }، يحتمل وجهين:
إن كان المراد من البينات القرآن أو الآيات التي جعلت معجزة له، على ما قاله أهل التأويل - فهو على التأكيد والإبلاغ، فإنه كان النهي عن عبادة غير الله تعالى والشرك بالله لازماً قبل مجيء الرسل وما أتوا من البينات على ما تقدم، والله أعلم.
والثاني: يحتمل قوله: { لَمَّا جَآءَنِيَ ٱلْبَيِّنَـٰتُ مِن رَّبِّي }: العقل الذي يعرف به ذلك، ويكون قوله: { جَآءَنِيَ } أي: ظهر لي؛ كقوله تعالى:
{ جَآءَ ٱلْحَقُّ } [الإسراء: 81] أي: ظهر الحق، والله أعلم.
وقوله: { وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ }.
أي: أمرت أن أجعل الخلق وكل شيء لله سالماً خالصاً لا أشرك فيه غيره، والله الموفق.
وقوله: { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ } بذكرهم الوجوه التي بها يوصل إلى معرفة شكر ما أنعم عليهم؛ قال: { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ } أي: خلق أصلكم من تراب، { ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ } أي: خلقكم من نطفة، يذكرهم هذا؛ ليعلم خلقه إياهم من تراب - أعني: خلق أصلهم ليس باستعانة منه بذلك التراب؛ لأنه لو كان على الاستعانة منه، لكان لا معنى لخلق أنفسهم من الماء على الصورة التي جعلهم من تراب وعلى جنسه؛ إذ ليس في الماء من آثار التراب شيء، ولا في الماء والنطفة من آثار العلقة شيء، ولا في العلقة من آثار الطفولية شيء من اللحم والعظم والجلد والشعر وغير ذلك، ليس في التراب معنى الماء ولا في الماء معنى التراب، ولو كان على الاستعانة بذلك لكان المخلوق من أحدهما لا يكون مثل المخلوق من الآخر في تركيبه وتصويره، وهما يختلفان في أنفسهما، وكذلك ما ذكر من تقلبه من حال إلى حال وتبديله من نوع إلى نوع، وليس في كل [حال] يقلب إليها من الحال التي كانت شيء ولا من شبهها؛ ليعلم أن كل ذلك إنما كان بقدرة ذاتية وعلم ذاتي وتدبير ذاتي كذلك، لا باستعانة شىء مما ذكر ولا سبب له في ذلك، ولكن كان بمعنى جعل فيه كان ذلك كذلك بوجود ذلك المعنى، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { ثُمَّ لِتَـبْلُغُوۤاْ أَشُدَّكُـمْ } أي: تبلغوا حتى يشتد كل شيء منكم من البينة والعقل وغير ذلك.
وقوله: { ثُمَّ لِتَكُـونُواْ شُيُوخاً وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ }.
أي: منكم من يتوفى من قبل أن يبلغ شيخاً.
وقوله: { وَلِتَبْلُغُوۤاْ أَجَلاً مُّسَمًّى }.
أي: لتبلغوا الأجل الذي جعل لكم.
وقوله: { وَلَعَلَّـكُمْ تَعْقِلُونَ }:
ما بين لكم وذكر لكم.
وقوله: { هُوَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ }.
أي: وهو الذي يخلق حياة كل شيء ويخلق موت كل شيء، وعلى قول المعتزلة: يجوز أن يسمى كل عبد: محييا مميتاً؛ لقولهم: إن القتيل ليس بميت بأجله، بل ميتة القاتل، وقولهم: إن المتولدات من الفعل هي فعل الفاعل؛ فعلى قولهم هذا يجوز تسمية كل أحد: محيياً مميتاً.
وقوله - عز وجل -: { فَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا }.
يترجم بقوله: { كُن } من غير أن كان منه كاف ونون، فذلك تكوينه - والله الموفق - وقد ذكرنا هذا فيما تقدم على الإبلاغ.