التفاسير

< >
عرض

أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوۤاْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
٨٢
فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
٨٣
فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ
٨٤
فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْكَافِرُونَ
٨٥
-غافر

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ }.
قد ذكرنا معناه في غير موضع.
وقوله: { كَانُوۤاْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً }.
أي: كانوا أكثر عدداً منكم وأشد في القوة والبطش.
وقوله: { وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ }.
أي: أكثر أعمالا منكم، ثم كانت عاقبتهم الهلاك والاستئصال.
وقوله: { فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }.
يقول: لم يغن عنهم كثرة العدد والحشم والأموال، ولا قوة الأبدان في دفع العذاب عن أنفسهم، فأنتم - يا أهل مكة - أحق ألا تقدروا على دفع العذاب عن أنفسكم إذا نزل بكم مع ضعفكم وقلة عددكم! والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ }.
يحتمل قوله: { فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ } وجهين:
أحدهما: أي: فرحوا بما عندهم أنه علم وليس في الحقيقة علماً، لكن عندهم أن ذلك علم؛ وهو كقوله:
{ وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً } [طه: 97]، أي: انظر إلى إلهك الذي هو عندك إله، وإلا لم يكن ذلك عند موسى - عليه السلام - إلها، لكنه ذكر على ما عند ذلك الرجل للتعريف؛ فعلى ذلك قوله: { فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ } أي: بما عندهم أنه علم وإن لم يكن في الحقيقة علماً، والله أعلم.
والثاني: يحتمل أن يكون على حقيقة العلم، وذلك من أهل الكتاب؛ قد كان من أهل الكتاب الإيمان بما عندهم من الكتاب، وهو على الحقيقة علم لا شك فيه، لكنهم لما كذبوا غيره من الكتب والعلوم وكفروا بها، لم ينفعهم إيمانهم بما عندهم من العلم؛ كقوله تعالى:
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَآءَهُ وَهُوَ ٱلْحَقُّ... } [البقرة: 91]، كان إيمانهم بما أنزل إليهم حقّاً، لكنهم لما كفروا بغيره أبطل ذلك الكفر إيمانهم بالذي أنزل إليهم؛ فعلى ذلك الأول، والله أعلم.
وقوله: { وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ }.
أي: يحويهم العذاب بما كانوا يستهزئون بالرسل.
وقوله: { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ }، يحتمل هذا وجهين:
يحتمل أن يكون هذا القول منهم وما ذكر من الإيمان منهم إذا رأوا بأس الله - بعد وفاتهم في قبورهم، أي: عذاب الله، فإن كان التأويل هذا، فهذا يدل على عذاب القبر لمن شاء الله تعالى في حقه العذاب، والله أعلم.
والثاني: يحتمل أن يكون ذلك منهم في حياتهم؛ حين رأوا بأس الله في الدنيا آمنوا بما ذكروا، فإن كان ذلك في الحياة، فلم ينفعهم إيمانهم في ذلك الوقت كما قال الله تعالى: { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } [غافر: 85]، وقد تقدم ذكر هذا في سورة يونس - عليه السلام - على الاستقصاء، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ }.
ألا يقبل الإيمان عند رؤية بأس الله ومعاينة عذابه.
والثاني: كذلك سنة الله التي قد خلت في عباده من التعذيب والانتقام من مكذبي الرسل في الدنيا واستئصالهم، يخوف أهل مكة بما أنزل إليك؛ ليحذروا مثل صنيعهم.
وقوله: { وَخَسِرَ هُنَالِكَ }:
أي: خسر عند ذلك الكافرون، والله أعلم.