التفاسير

< >
عرض

أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ وَيَمْحُ ٱللَّهُ ٱلْبَاطِلَ وَيُحِقُّ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ
٢٤
وَهُوَ ٱلَّذِي يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ ٱلسَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ
٢٥
وَيَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَٱلْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ
٢٦
-الشورى

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } أي: بل يقولون: افترى محمد على الله كذبا.
وقوله: { فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ } اختلف فيه.
قال بعضهم: { فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ } بالصبر حتى لا تجد مشقة استهزائهم بك، ولا غصة تكذيبهم إياك.
وقال بعضهم: فإن يشأ الله أن ينسيك القرآن فلا تبلغه إليهم فلا يس تهزئوا بك، ولا يكذبوك، أو كلام نحوه.
وعندنا أنه يخرج على وجهين:
أحدهما: ما ذكرنا بدءاً { فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ } بالصبر حتى لا تجد مشقة الاستهزاء ولا غصة التكذيب.
والثاني: يحتمل: { فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ } كما ختم قلوب أولئك الكفرة حتى لا تفهم ولا تعقل الحق من الباطل، كما فعل بأولئك، يذكره إحسانه إليه وفضله بما أكرمه بأنواع الكرامات التي أكرمه بها؛ ليشكر ربه على ذلك، ويرحم على أولئك بما ختم على قلوبهم، وما ينزل بهم من أنواع العذاب وعلى ذلك بلغ أمره صلى الله عليه وسلم من المرحمة والشفقة عليهم ما ذكر
{ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ... } الآية [الكهف: 6]، وقوله - تعالى -: { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } [فاطر: 8] كادت نفسه تهلك إشفاقاً عليهم ورحمة، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { وَيَمْحُ ٱللَّهُ ٱلْبَاطِلَ وَيُحِقُّ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ } هذا يخرج على وجهين:
أحدهما: أي: يظهر ويظفر أهل الحق على أهل الباطل وينصرهم حتى يصير أهل الحق ظاهرين قاهرين على أهل الباطل؛ فذلك محق الباطل وإحقاق الحق.
والثاني: يحق الحق بالحجج والبراهين حتى يعرف كل أحد الحق من الباطل بالحجج التي أقامها إذا تأمّل فيها حق التأمّل، وهو كقوله - تعالى -:
{ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ } [الصف: 9]، والله أعلم.
وقوله: { بِكَلِمَاتِهِ } أي: بحججه وبراهينه.
وقوله - عز وجل -: { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُور } قال أهل التأويل: أي: عليم بما في الصدور، ولكن قوله: { بِذَاتِ ٱلصُّدُور } عبارة عمن له الصدور عن الرأي والتدبير، وهم البشر والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { وَهُوَ ٱلَّذِي يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ ٱلسَّيِّئَاتِ } قد ذكرنا أنه لا أحد يحقق التوبة؛ لأن تحقق التوبة هو أن يهرب وينفر عما استوجب به النار كهربه من النار لو كان فيها، وفراره منها لو وجد مهرباً، ولا أحد يهرب من الذنب ويفر منه كهربه وفراره من النار لو كان فيها، لكن الله بفضله وكرمه يقبل ذلك منه وإن لم يكن التوبة منه على الحد الذي ذكرنا.
ثم قوله - تعالى -: { يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ } أي: يقبل حسناتهم وخيراتهم { وَيَعْفُواْ عَنِ ٱلسَّيِّئَاتِ } أي: يكفر عن سيئاتهم؛ كقوله - تعالى -:
{ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ } [الأحقاف: 16]، والله أعلم.
وقوله: { وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } هذا وعيد، يخبر رسوله أنه يعلم ما تفعلون سرّاً وعلانية، وأنه عن علم بما يكون منهم امتحنهم وأمرهم ونهاهم، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { وَيَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } أي: يجيب الذين آمنوا بما يدعون ويسألون ربهم، وهو كقوله - تعالى -
{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } [البقرة: 186] أي: يجيبهم على الذي ذكر في الآية، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ } أي: يزيدهم من فضله ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب امرئ مسلم، وهي الجنة؛ وذلك زيادة من فضله، والله أعلم.
وقال في حق الكفرة: { وَٱلْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ }.