التفاسير

< >
عرض

يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
٨
وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ
٩
وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ
١٠
يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ
١١
-المائدة

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ... } الآية.
يحتمل أن تكون الآية في الشهادة نفسها؛ كأنه قال: أن قوموا شهداء لله، واجعلوا الشهادة له، فإذا فعلوا هكذا لا يمنعهم بغض أحد وعداوته، ولا رضا أحد وولايته - القيام بها. ندبهم الله أن يقوموا في الشهادة لله والحكم له: يحكم للعدو كما يحكم للولي، ويقوم في الشهادة للعدو كما يقوم للولي، والله أعلم.
ويحتمل أن يكون في بيان الحق والحجج وتعليم الأحكام والشرائع؛ كأنه يقول - والله أعلم -: قوموا في بيان الحجج والحق وتعليم الأحكام لله، لا يمنعكم بغض قوم ولا رضاهم على ألا تبينوا الحق لهم، ولا تعلموا الحجج والأحكام لهم.
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ }، أي: لا يحملنكم { شَنَآنُ قَوْمٍ }، أي: بغض قوم { عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ } فيهم؛ فإنما العدل لله في الرضا والسخط، { ٱعْدِلُواْ }، يقول: قولوا العدل بالحق؛ فإنه أقرب للتقوى.
وقوله - عز وجل -: { ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ }.
أي: اعدلوا هو التقوى؛ كقوله - تعالى -:
{ إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } [الأعراف: 56]، أي: رحمة الله للمحسنين؛ لأن العدل ليس إلا التقوى.
{ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ }.
في ترك ما أمركم به، وارتكاب ما نهاكم عنه.
{ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }.
وتضمرون من العدل والجور، خرج على الوعيد.
وقوله - عز وجل -: { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } قال بعضهم: هذه الآية [هي] صلة ما تقدم في قوله - سبحانه وتعالى -: { يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ... } إلى آخر ما ذكر. فإذا فعلوا، وقاموا في الشهادة والعدل في الحكم، كان لهم ما ذكر من الوعد، والله أعلم. ولكن يحتمل هي على الابتداء - والله أعلم - كأنه قال: وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات وعداً، ثم بين ما في ذلك الوعد، فقال: لهم مغفرة وأجر عظيم: يستر على ذنوبهم، ويتجاوز عنها، وأجر عظيم: الجنة، قال ابن عباس - رضي الله عنه - "لهم مغفرة في الدنيا لذنوبهم، وأجر عظيم في الآخرة: الجنة"، وهو ما ذكرنا، والله أعلم.
وقوله - عز وجل: { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ } قيل: كفروا بآيات الله وكذبوا بآياته، يعني: محمداً صلى الله عليه وسلم والقرآن، { أُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ }.
وقيل: { كَفَرُواْ } بتوحيد الله، { وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ }: بالقرآن بأنه ليس من الله تعالى، وهما واحد؛ وهذا يدل على أن الآية على الابتداء خرجت، ليس على الصلة على ما قالوا.
وقوله - عز وجل -: { يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ }.
يحتمل أن تكون هذه المنة التي ذكر الله - تعالى - في هذه الآية من كف أيدي الأعداء عنهم، بعدما بسطوا إليهم أيديهم في جملة المؤمنين؛ لأن المؤمنين كانوا في ابتداء الأمر مختفين فيما بين الكفرة، لا يقدرون على إظهار الإسلام وإعلانه، وقد هموا قتل المؤمنين غير مرة، وفيما كف أيديهم عنهم منة عظيمة علينا وعليهم وعلى جميع المسلمين.
ويحتمل أن يكون في قوم خاص قد أحاطوا بهم، وبسطوا أيديهم إليهم، وهموا بقتلهم؛ فكف الله - عز وجل - بفضله أيديهم عنهم، وأنقذهم من أيديهم.
ثم اختلف فيه:
عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: "هَمَّ بنو قريظة أن يبسطوا إليهم أيديهم بالقتل؛ فكف الله - تعالى - أيديهم عنهم بالمنع".
وقيل: نزلت في اليهود: دخل النبي صلى الله عليه وسلم حائطاً لهم في النخل، وأصحابه وراء الجدار، واستعانهم في مغرم دية غرمها، ثم قام من عندهم، فائتمروا بينهم بقتله، فخرج يمشي القهقرى معترضاً ينظر من خيفتهم، ثم دعا أصحابه إليه رجلاً رجلاً، حتى تناهوا إليه. فلا ندري كيفما كانت القصَّة؟ وليس لنا إلى معرفة القصّة حاجة بعد أن نعرف منة الله - تعالى - التي من علينا بكف الأعداء عنهم، ونشكر له على ذلك.
وفي هذه الآية دلالة إثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أخبر عما كان منهم من غير أن يشهد ذلك؛ ليعلم أنه بالله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ }.
أي: على الله يكل المؤمن في كل أمره، وبه يثق.