التفاسير

< >
عرض

يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
٩٠
إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ فِي ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ
٩١
وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَٱحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ
٩٢
لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوۤاْ إِذَا مَا ٱتَّقَواْ وَآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ
٩٣
-المائدة

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ... } الآية.
عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: { وَٱلْمَيْسِرُ }: القمار.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"اجْتَنِبُوا هَذِهِ الكِعَابَ المَوْسُومَةَ الَّتي تُزْجَرُ زَجْراً؛ فَإِنَّهَا مِنَ المَيْسِرِ" .
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - مثله.
وعن أبي موسى [الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم]:
"مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ" .
وعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: "الميسر قمار".
وعن علي - رضي الله عنه - قال: "لأن آخذ جمرتين من نار فأقلبهما في يدي أحبّ إليَّ من أن أقلب كعبتي نرد".
وعن علي - رضي الله عنه - أيضاً قال: "الشطرنج هو ميسر الأعاجم".
وعن مجاهد وسعيد بن جبير والشعبي وهؤلاء السلف قالوا: الميسر: القمار كله، حتى الجوز الذي يلعب به الصبيان.
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لاَ جَلَبَ، وَلاَ جَنَبَ، وَلاَ شِغَارَ، وَلاَ وِرَاطَ فِي الإسْلاَمِ" وقيل: الوراط: القمار. وقيل: الجلب: هو أن يجلب وراء الفرس حتى يدنو أو يحرك وراءه الشيء يستحث به السبق. والجنب: هو الذي يجنب مع الفرس الذي به يُسَابَقُ فرسٌ آخر حتى إذا داناه تحول راكبه إلى الفرس المجنوب، فأخذ السبق.
وأجمع أهل العلم على أن القمار حرام، وأن الرهان على المخاطرة مثل القمار، وما روي عن أبي بكر - رضي الله عنه - أنه خاطر أهل مكة في غلبة الروم فارس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"زِدْهُمْ فِي الخَطَرِ وَأَبْعِدْهُمْ فِي الأَجَلِ" - فكان ذلك والنبي صلى الله عليه وسلم بمكة في الوقت الذي لم ينفذ حكمه، فأما في دار الإسلام: فلا خلاف في أن ذلك لا يجوز، إلا ما رخص فيه من الرهان في السبق في الدواب والإبل، إذا كان الآخذ واحداً: إن سبق أخذ، وإن سُبق لم يدفع شيئاً، وكذلك إن كان السبق بين الرجلين أيهما سبق أخذ، [ودخل] بينهما فرس: إن سَبَقَ أخذ، وإن سُبِقَ يغرم صاحبه شيئاً - فهو جائز، ويسمى الداخل بينهما: المحلل.
فأما الرخصة فيه فما روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لاَ سَبْقَ إِلاَّ فِي خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ أَوْ نِصَالٍ" هذا الذي وصفنا كله من الميسر.
والأنصاب: هي الأحجار والأوثان التي كانوا ينصبونها، ويعبدونها، ويذبحون لها.
وأما الأزلام: فالقداح التي كانوا يستقسمون بها في أمورهم، ويستعملونها، ففيه دليل بطلان الحكم بالقرعة؛ لأن الاستقسام بالقداح هو أن كانوا يجعلون الثمن على الذي خرج سهمه أخيراً، ويتصدقون بما اشتروا على الفقراء، ففيه إيجاب الثمن على الغير، فيجعلون الأمر إلى من ليس له تمييز، فعوتبوا على ذلك، فعلى ذلك الحكم بالقرعة تسليم إلى من ليس له تمييز بين المحق وغير المحق، فيلحق هذا ما لحق أولئك.
ثم أخبر أن ذلك كله { رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ }، وليس هو في الحقيقة عمل الشيطان؛ لأن الشيطان لا يفعل هذا حقيقة، لكن نسب ذلك إليه؛ لما يدعوهم إلى ذلك، ويزين لهم، وكذلك قول موسى - عليه السلام -:
{ هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ } [القصص: 15] إنه كذا وكذلك قوله - تعالى -: { فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ } [البقرة: 36] وهو - لعنه الله - لم يتول إخراجهما، ولكن كان سبب الإخراج والإزلال، وهو الدعاء إلى ذلك، والمراءاة لهم، فنسب ذلك إليه، والله أعلم.
قوله تعالى: { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ فِي ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ }.
وقوله - عز وجل -: { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ فِي ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ } هم في الظاهر لم يجتمعوا على العداوة والبغضاء، بل يكون اجتماعهم على الألفة والمودة، على ذلك تَجَمُّعُهُم في الابتداء، لكن لما شربوا وأخذهم الشراب وقع بينهم العداوة والبغضاء؛ فكان قصده إلى جمعهم في الابتداء على المحبة والمودة ما ظهر منه في العاقبة من إيقاع العداوة بينهم، وتفريق جمعهم، وهو كقوله - تعالى -:
{ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } [لقمان: 21] ولو دعاهم إلى عذاب السعير لكانوا لا يجيبونه، لكن دعاهم إلى العمل الذي يوجب لهم عذاب السعير، فعلى ذلك هو يدعوهم إلى الاجتماع في الخمر والميسر إلى ما يوجب ويوقع بينهم العداوة والبغضاء، ففيه أن الأعمال ينظر فيها العواقب؛ كما روي: "الأَعْمَالُ بِالخَوَاتِيمِ" .
وفي الآية دليل تحريم الخمر؛ لأنه قال: { رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ } والرجس حرام؛ كقوله تعالى: { فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً } [الأنعام: 145] وما يدعو إليه الشيطان - أيضاً - حرام، وكذلك قوله: { قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ } [البقرة: 219] والحلال المباح لا إثم فيه، ولا يسمَّى رجساً، وكذلك روي عن نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم أنه قام، فخطب الناس، فقال: "يَأيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ يُعَرِّضُ عَلَى الخَمْرِ تَعْرِيضاً، لاَ أَدْرِي لَعَلَّهُ سَيُنْزِلُ فِيهَا" ثم قال: "يَا أَهْلَ المَدِينَةِ، إِنَّ اللهَ قَدْ أَنْزَلَ تَحْرِيمَ الخَمْرِ، فَمَنْ كَتَبَ هَذِهِ الآيَةَ وَعِنْدَهُ مِنْهَا شَيْءٌ فَلاَ يَشْرَبْهَا، وَلاَ يَبِعْهَا" قال: فسكبوها في طريق المدينة.
وعن عمر - رضي الله عنه - قال: لما نزل تحريم الخمر قال: "اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاء"؛ فنزلت الآية التي في البقرة:
{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ } [البقرة: 219] فقرئت عليه؛ فقال عمر - رضي الله عنه -: "اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاء"؛ فنزلت الآية التي في النساء: { لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَى } [النساء: 43] فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة قال: "لا يقرب الصلاة سكران" فدعي عمر - رضي الله عنه - فقرئت عليه؛ فقال: "اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاء" فنزلت الآية التي في المائدة: { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ } فدعي عمر - رضي الله عنه - فقرئت عليه، فلما بلغ: { فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } قال: انتهينا، انتهينا.
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كنت ساقي القوم، ونبيذنا تمر وزبيب وبسر خلطناه جميعا، فبينا نحن كذلك - والقوم يشربون - إذ دخل علينا رجل من المسلمين، فقال: ما تصنعون؟ والله لقد أنزل تحريم الخمر، فأهرقنا الباطية، وكفأناها، ثم خرجنا، فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً على المنبر يقرأ هذه الآية ويكررها: { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ... } إلى قوله: { فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } فالخليطان حرام.
فأجمع أهل العلم على أن الخمر حرام قليلها وكثيرها، وأن عصير العنب إذا غلا واشتد فصار مسكراً - خمر.
واختلفوا فيما سوى ذلك من الأشربة: فكان أبو حنيفة وأبو يوسف - رحمهما الله - يقولان: ما كان من الأشربة نيئاً متخذاً من النخلة والعنب فهو حرام: كنبيذ البسر والتمر والزبيب، إذا أسكر كثيره فهو حرام عندهما؛ وعلى ذلك جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [أنه] قال:
"الخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ: مِنَ النَّخْلَةِ وَالْعِنَبِ" ومعنى التخصيص لهما: لأن شرابهم كان منهما، ولا يتخذ منهما إلا المسكر خاصة. وأما ما اتخذ من غير النخلة والعنب فلا يحرم وإن كان نيئاً إلا السكر منه؛ لأن غيرهما من الأشربة قد يتخذ لا للسكر، وإن كان في مكان لا يتخذ إلا للسكر فهو مكروه قليله وكثيره، كالمتخذ من النخلة والعنب.
وكانا يقولان: ما كان من الأنبذة مطبوخاً فهو حلال وإن قل طبخه، إلا العصير فإنه لا يحل بالطبخ حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه.
وكانا يفرقان بين العصير وغيره: بأن العصير ليس فيه شيء من غيره، وإن ترك بحاله غلا فأسكر، فإذا طبخ حتى يذهب ثلثه أو نصفه فهو يغلي ويسكر، فلم يخرجه الطبخ من حده الأول؛ إذ كان يسكر قبل أن يطبخ، وهو الآن يسكر بنفسه؛ إذ لم يجعل فيه شيء غيره، وسائر ما يتخذ منه الأنبذة إن بقيت لم يشتد ولم يسكر حتى يلقي عليه الماء ويخلط بها غيره، فحينئذ يسكر، فهي مثل العصير إذا ذهب ثلثاه وبقي ثلثه، فإن بقي دهرا لم يسكر حتى يلقي عليه الماء فحينئذ يسكر، فإذا صار العصير في حال أن بقي مدة لم يغل بنفسه حتى يلقي عليه غيره كان بمنزلة الزبيب والتمر إذا ألقى عليهما الماء فطبخا؛ وعلى ذلك ما روي عن عمر - رضي الله عنه - في الطلاء أنه لا يحل حتى يذهب ثلثاه؛ فيذهب عنه سلطانه، يقول: إذا كان يغلي بنفسه من غير أن يصب عليه الماء ففيه سلطانه، فإذا صار لا يغلي بنفسه، وهو أن يطبخ حتى يذهب ثلثاه فقد ذهب عنه سلطانه.
وروي عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن أبا عبيدة ومعاذ ابن جبل وأبا طلحة - رضوان الله عليهم - كانوا يشربون من الطلاء ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه. وقد وصفنا فرق أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - بين المطبوخ وبين المثلث والمنصف من العصير.
فأما فرقهم بين المطبوخ ما يتخذ من النخلة والعنب والنِّيء منه فهو: أن الخمر التي لا خلاف في تحريمها في العصير التي تصير خمراً، فكل ما كان نيئاً من الشجرتين اللتين سماهما النبي صلى الله عليه وسلم فهو حرام إذا أسكر، فإذا كان مطبوخاً فقد عمل فيه ما خرج به من حد الخمر.
فإن قيل: يجب أن يقاس ذلك على النيء؛ لأنه يسكر، وفيه صفات الخمر.
قيل: الخمر حرمت لعينها لما لا تتخذ إلا للسكر، ولا يقاس عليها غيرها، وإنما يقاس على ما حرم وحل لعلة دون ما حرم بعينه، وأما غيره من الأنبذة فإنما يحرم منه السكر؛ ألا ترى أنه في الخبر:
"أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث أبا موسى ومعاذاً إلى اليمن قال له أبو موسى: إن شرابنا يقال له: البتع، فما نشرب منه وما ندع؟ قال: اشْرَبُوا وَلاَ تَسْكَرُوا" .
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: حرمت الخمر بعينها، قليلها وكثيرها، والسكر من كل شراب.
وعن علي - رضي الله عنه - قال: فما أسكر من النبيذ ثمان، وفي الخمر قليلها وكثيرها ثمانون. فدل قول علي - رضي الله عنه - فيما أسكر من النبيذ ثمان، معناه: في السكر ثمانون وذلك يدل أن قول النبي صلى الله عليه وسلم:
"كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ" أن السكر منه حرام.
وعن عمر - رضي الله عنه - أنه أُتِي بسكران، قال: يا أمير المؤمنين، إنما نشرب من نبيذك الذي في الإداوة؛ فقال عمر - رضي الله عنه -: لست أضربك على النبيذ، إنما أضربك على السكر.
فهذه الأخبار التي ذكرنا دلت على [تحريم الخمر بعينها، والسكر من كل شراب.
وقوله - عز وجل -: { وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلاَةِ } يدل على] تحريمها؛ لأنه إذا سكر، صده عن ذكر الله وعن الصلاة.
وقوله - عز وجل -: { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } في تحريم الخمر، والميسر، والأزلام، والأنصاب، وغيرها، { وَٱحْذَرُواْ } معصيتهما وخلافهما { فَإِن تَوَلَّيْتُمْ } عن طاعتهما فيما حرم عليكم وحذركم عنه: { فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } في تحريم ذلك، والله أعلم.
{ لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوۤاْ إِذَا مَا ٱتَّقَواْ وَآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }.
وقوله - عز وجل -: { لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوۤاْ } أي: شربوا من الخمر قبل تحريمها { إِذَا مَا ٱتَّقَواْ } شربها بعد التحريم { وَآمَنُواْ }: أي: [و]صدقوا بالتحريم، { ثُمَّ اتَّقَواْ } شربها، { وَآمَنُواْ } في حادث الوقت، { ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ }.
وذكر في بعض القصة: أنه لما نزل تحريم الخمر، قالوا: كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر؟. قنزل { لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوۤاْ... } الآية.
لكن هذا لا يحتمل أن يكون كما ذكر؛ لأنهم شربوا الخمر في وقت كان شربها مباحاً، ولم يشربوا بعد تحريمها، لكن هذا إن كان فإنما قالوا في أنفسهم؛ فنزل: أن ليس عليكم جناح فيما شربتم قبل تحريمها بعد أن اتقيتم شربها بعد نزول حرمتها، والله أعلم.
وقال بعض الناس: إن في الآية تكرارا في قوله - تعالى -: { إِذَا مَا ٱتَّقَواْ وَآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }، لكن الوجه فيه ما ذكرنا، ليس على التكرار، والله أعلم.