التفاسير

< >
عرض

وَفِي مُوسَىٰ إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ
٣٨
فَتَوَلَّىٰ بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ
٣٩
فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ
٤٠
وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ
٤١
مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ
٤٢
وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُواْ حَتَّىٰ حِينٍ
٤٣
فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ
٤٤
فَمَا ٱسْتَطَاعُواْ مِن قِيَامٍ وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ
٤٥
وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ
٤٦
-الذاريات

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { وَفِي مُوسَىٰ إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ }.
فيما ذكر من قصة موسى، ولوط، وقصة إبراهيم، وقصة هود، وثمود، وهذه الأشياء تفسير لقوله تعالى -:
{ وَفِي ٱلأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ } [الذاريات: 20]، ثم الآيات في الأرض من وجهين:
أحدهما: فيما خلق في الأرض من الخلائق.
والثاني: فيما في الأرض من أنباء السلف وأخبارهم من مكذبي الرسل ومصدقيهم، أي: في هلاك من هلك من مكذبيهم، ونجاة من نجا من مصدقيهم آيات لمن ذكر، فهذه الأنباء والقصص التي ذكرت هاهنا تفسير لقوله:
{ وَفِي ٱلأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ } [الذاريات: 20].
وقوله - عز وجل -: { فَتَوَلَّىٰ بِرُكْنِهِ } هذا يخرج على وجهين:
أحدهما: أي: فتولى هو وركنه، وهم جنوده وقومه عن اتباع موسى - عليه السلام - وما يدعوهم إليه.
والثاني: فتولى هو بقوة ركنه، وهم قومه، أي: تولى عن الحق واتباع موسى - عليه السلام - بقوة قومه ومعونتهم، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ }.
سماه: ساحراً بما أتى من الآيات المعجزة، وقومه إنما يعرفون وصف السحر على هذا الوجه، فسماه بذلك وإن أبقى هو أن مثل ذلك الفعل لا يكون سحراً؛ تمويها على قومه، وسماه مجنوناً، لما خاطر بنفسه بمخالفته، مع علمه أن همته القتل لمن خالفه في دينه وملكه.
وقوله - عز وجل -: { فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ }.
وهذا يدل على أني تأويل قوله تعالى: { فَتَوَلَّىٰ بِرُكْنِهِ } أي: تولى هو، وتولى قومه وجنوده.
وقوله - عز وجل -: { فَنَبَذْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ }.
قال بعضهم: { مُلِيمٌ }، أي: يلام عليه.
وقال بعضهم: { مُلِيمٌ } أي: هو مذموم.
وقال القتبي: هو مذنب.
ثم دل قوله تعالى: { فَنَبَذْنَاهُمْ } على أن الله تعالى في أفعال العباد صنعا؛ حيث أضاف ذلك إلى نفسه، وهم الذين دخلوا في اليم.
وقوله - عز وجل -: { وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا }.
أي: في أمر عاد بينة وآية وعبرة للمؤمنين؛ كقوله تعالى:
{ وَفِي ٱلأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ } [الذاريات: 20].
وقوله - عز وجل -: { إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ }، أي: أهلكوا بالريح، وقد بلغ من عتوهم أن قالوا:
{ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً } [فصلت: 15]، فأذلهم الله تعالى حتى خضعوا لأضعف شيء، وأخافهم منه، نهي الأصنام التي عبدوها، حتى خوفوه وقالوا: { إِن نَّقُولُ إِلاَّ ٱعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوۤءٍ } [هود: 54] وذلك غاية الذل والهوان، أن خافوا من أضعف شيء وأعجزه، بعدما بلغ من عتوهم وتمردهم أن قالوا: { مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً } [فصلت: 15].
ثم قوله - عز وجل -: { ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ }.
قال أبو عوسجة: تفسيرها ما ذكر في الآية: { مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ }.
وقال غيره: العقيم هو الذي لا خير فيه ولا بركة؛ أي: عقمت عن الخيرات؛ ولذلك يقال للمرأة التي لا تلد، والرجل الذي لا يولد له: العقيم؛ لما أنه ليس منهما منفعة الولد ولا بركته؛ فعلى ذلك الريح العقيم، أي: لا منفعة فيها ولا بركة؛ فأما للمؤمنين، فهي نافعة - أيضاً - حيث أهلكت أعداءهم ولم تهلكهم، وفي ذلك تطهير الأرض عن نجاسة الكفر.
وفي الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"نصرت بالصَّبا، وأهلكت عاد بالدبور" .
وقيل: { ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ }: هي الدبور، وهي التي لا تلقح الأشجار والسحاب والنبات.
وقوله - عز وجل -: { مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ }.
أي: ما تذر من شيء أنت عليه، وأمرت هي بأهلاكه، وأذن لها بذلك، إلا جعلته كالرميم؛ ألا ترى أنها أتت على أشياء لم تلهكها، وقد سلم - عليه السلام - وقومه من المؤمنين، وإلى أنهم لما رأوها من بعد قالوا:
{ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا } [الأحقاف: 24]، فقال هود - عليه السلام - { بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } [الأحقاف: 24]، وما ذكر { فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ } [الأحقاف: 25]، أخبر أنها قد أبقت مساكنهم، وهو ما ذكر في آية أخرى: { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا } [الأحقاف: 25]، أي: تدمر كل شيء أمرت وأذن لها بالتدمير؛ ليعلم أنها كانت تعمل بالأمر، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُواْ حَتَّىٰ حِينٍ }.
أي: وفي أمر ثمود وإهلاكهم أيضاً آية وحجة للمؤمنين.
ثم ذكر عتوهم وتمردهم { إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُواْ حَتَّىٰ حِينٍ }، وهو الثلاثة أيام التي ذكرت في آية أخرى، فقال:
{ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } [هود: 65] يخبر أن كان قد بلغ عتوهم أن قد أجابوا ثلاثة أيام لنزول العذا بهم، فلم يمنعهم ذلك عن عتوهم، ولم ينجع فيهم، وقومك يا محمد؛ حيث لم نذكر لعذابهم وقتا ولا أجلا أحق ألا ينجع فيهما ما توعدهم به، ولا ينفعهم، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ }.
أي: عما أمروا بطاعة ربهم، والعتو: هو البلوغ في البأس والقساوة غايته؛ كقوله تعالى:
{ وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ ٱلْكِبَرِ عِتِيّاً } [مريم: 8] أي: بائسا.
قوله - عز وجل -: { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ }.
أي: إلى الصاعقة.
وقوله - عز وجل -: { فَمَا ٱسْتَطَاعُواْ مِن قِيَامٍ وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ }، هذا يخرج على وجهين:
أحدهما: أي: ما استطاعوا في الانتصار لعذاب الله والقيام له
والثاني: ما استطاعوا من دفع العذاب عن أنفسهم، لا بأنفسهم، ولا بغيرهم، { وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ } بالأنصار والأعوان، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ }.
أي: من أمر نوح - عليه السلام - من قبل هؤلاء وإهلاكهم آية بينة وحجة للمؤمنين؛ على ما ذكرنا.
وقوله - عز وجل -: { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } ظاهر.