التفاسير

< >
عرض

أَزِفَتِ ٱلآزِفَةُ
٥٧
لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ كَاشِفَةٌ
٥٨
أَفَمِنْ هَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ
٥٩
وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ
٦٠
وَأَنتُمْ سَامِدُونَ
٦١
فَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ وَٱعْبُدُواْ
٦٢
-النجم

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { أَزِفَتِ ٱلآزِفَةُ } أي: قربت القيامة؛ سمى الله - سبحانه وتعالى - القيامة بأسماء مختلفة: مرة الآزفة، ومرة: الساعة، ومرة: القيامة، فسماها: آزفة؛ لقربها إلى الخلق ووقوعها عليهم، وكذلك الساعة.
وقوله - عز وجل -: { لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ كَاشِفَةٌ }، دلت الآية على أن الله - تعالى - لم يؤت علم قيام الساعة ووقوعها أحداً، وهو كقوله تعالى:
{ لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ } [الأعراف: 187]، وللباطنية أدنى تعلق في هاتين الآيتين؛ لأنهم قالوا: إن الآخرة للحال كائنة، لكنها مختفية مستترة، تظهر وتكشف عند فناء هذه الأجسام، وذهاب هذه الأبدان؛ ويستدلون بقوله - تعالى - { لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ } [الأعراف: 187]، وبقوله - تعالى - { لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ كَاشِفَةٌ }، ويقولون: إن لفظ التجلي والكشف إنما يستعملان فيما هو كائن ثابت يظهر عند ارتفاع التواتر، وما يخفيها إلا في الإنشاء ابتداء.
ولكن عندنا: أن حرف الكشف والتجلي يستعمل في ابتداء الإحداث والإنشاء، وفي إظهار ما كان كامنا خفيّاً، فإذا كان كذلك، بطل استدلالهم بذلك، وهو كقوله - تعالى -:
{ عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ } [الأنعام: 73]، هو عاغلم بما كان خفيّاً بحق الخلق وما هو شاهر ظاهر، وعالم بما يكون وبما هو كائن للحال، والله الموفق.
وقوله - عز وجل -: { أَفَمِنْ هَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ } كانوا تعجَّبوا من أمرين:
أحدهما: من بعث الرسل؛ كقوله - تعالى -:
{ بَلْ عَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ } [ق: 2].
ومن البعث بعدما يفنون ويتلفون؛ كقوله - تعالى -
{ وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً ... } الآية [الرعد: 5].
وقوله - عز وجل -: { وَتَضْحَكُونَ } الضحك - هاهنا - كناية عن الاستهزاء، لس على حقيقة الضحك.
أو يكون الضحك كناية عن السرور؛ أي: تسرون على ما أنتم عليه.
وقوله - عز وجل -: { وَلاَ تَبْكُونَ } أيضاً ليس على حقيقة البكاء، ولكن كناية عن الحزن، أي: ولا تحزنون على ما فرط منكم من الأعمال وسوء الصنيع والمعاملة.
وقوله - عز وجل -: { وَأَنتُمْ سَامِدُونَ }، [أي]: لاهون، معرضون.
وعن الحسن وسعيد بن جبير: سامدون: غافلون.
وقيل: سامدون: حزنون على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وغائطون على ما أنزل عليه.
وعن عكرمة، عن ابن عباس - رضي الله عنه - في قوله - تعالى - { وَأَنتُمْ سَامِدُونَ } قال: هو الغناء بلغة اليمن؛ يقول اليماني: أسعد لنا: أي: عن لنا؛ قال: كانوا إذا سمعوا القرآن تغنوا ولعبوا.
وقوله - عز وجل -: { فَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ وَٱعْبُدُواْ } الآية، أي: اخضعوا لله، واستسلموا له؛ إذ الأمر بالسجود عند التلاوة في غير سجود الصلاة، أمر بالخشوع له والاستسلام، والأمر بالسجود - هاهنا - للتلاوة؛ للأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين، رضوان الله عليهم أجمعين:
روى الأسود عن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ سورة النجم، فسجد فيها، ولم يبق معه أحد إلا سجد، إلا شيخ من قريش؛ فإنه أخذ كفّاً من حصا، فرفعه إلى جبهته، [وقال: يكفيني هذا، قال ابن مسعود: فلقد رأيته يَعْدُ قُتِلَ كافراً].
وروى أبو هريرة والمطلب بن أبي وداعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد فيها.
وروي عن عمر وعثمان - رضي الله عنهما - أنهما سجدا فيها.
وعن علي - رضي الله عنه - أنه قال: "عزائم السجود أربع: تنزيل السجدة، وحم السجدة، والنجم، واقرأ باسم ربك".
وما روي عن زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأها فلم يسجد، يحتمل أن تكون التلاوة واقعة في وقت يكره السجود، والحديث حكاية فعل لا عموم له، والله أعلم بحقيقة ما أراد، والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.