التفاسير

< >
عرض

لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِٱلْغَيْبِ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ
٢٥
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ
٢٦
ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ٱبتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ رِضْوَانِ ٱللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ
٢٧
-الحديد

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ } يحتمل وجهين:
أحدهما: أي: أرسلنا بما يبين ويوضح أنهم رسل الله، وأن تلك الآيات التي أتوا بها من عند الله لا باختراع من عندهم؛ لما هي خارجة عن وسع البشر.
والثاني: ما يبين صدق الرسل في خبرهم، وعدلهم في حكمهم، أو يبين ما لهم وما عليهم.
وقوله - عز وجل -: { وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ }، وقال في ية أخرى:
{ ٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ وَٱلْمِيزَانَ } [الشورى: 17]، ثم يحتمل { وَٱلْمِيزَانَ }: الموازين المعروفة التي بها تستوفى الحقوق فيما بين الناس، وبها يوفَّى وبها تحفظ حقوق الأموال التي بينهم وحدودها.
فإن كان المراد هذا فكانه قال: وأنزلنا معهم الكتاب الذي به يحفظ الدين وحدوده، والميزان الذي به يحفظ حدود الأموال، لا يزاد على الحق، ولا ينقص منه، والله أعلم.
وجائز أن يكون المراد بالميزان: الحكمة؛ إذ ذكره على إثر الكتاب؛ كقوله:
{ وَيُعَلِّمُهُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ } [آل عمران: 48]؛ كأنه يقول - والله أعلم -: { وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ } [النساء: 113]؛ فيكون الكتاب ما يحفظ حدود الأفعال والأقوال، وتكون الحكمة ما يقوم الناس بها بالقسط.
أو أن تكون الحكمة ما أودع في الكتاب من المعاني.
وقال الحسن في قوله:
{ وَيُعَلِّمُهُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ } [آل عمران: 48]: إنهما واحد.
ثم قوله - عز وجل -: { لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ } يخرج على وجهين:
أحدهما: أنزل ما ذكر من الكتاب والميزان؛ ليلزم الناس القيام بالعدل، وقد ألزمهم ذلك بما أنزل عليهم من الكتاب والميزان وبين الحدود.
والثاني: أنزل ما ذكر؛ ليقوم الناس بالقسط؛ على وجود القيام بالعدل.
فإن كان المراد منه الوجود فهو راجع إلى خاص من الناس، وإن كان على الإلزام فهو راجع إلى الكل وهو كقوله تعالى:
{ وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات: 56]، فإن كان على وجود العبادة فهو يرجع إلى خاص من الناس، وإن كان المراد بقوله: { إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات: 56]، أي: لأمرهم وإلزامهم فهو للك؛ فإنه قد خلقهم ليأمرهم ويلزمهم، وقد أمرهم وألزمهم، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ }، خص الله تعالى ذكر الحديد بما جعل فيه من البأس من بين غيره من الأشياء، وإن كان يشاركه غيره في احتمال الأذى والضرر به مما يطعن به فينفذ ويضرب به، ويستعمل في الحروب والقتال؛ [لأمرين:]
أحدهما: أنه هو الكامل في الظفر والنفاذ والجرح، وإن كان قد يتحقق من غيره؛ ولذلك اعتاده الناس آلة القتال والحرب؛ فيكون البأس فيه أشد.
والثاني: لما يتحصن به باتخاذ الدرع؛ لقوله:
{ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ } [الأنبياء: 80]؛ لهذا اختص الحديد، والله أعلم.
وقوله: { وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } جعل الله تعالى في الحديد منافع ليست تلك في غيره، وهو ما يتخذ منه ما يحرز به ويخاط من الخفاف وغيره، مما لا يحتمل هذا النوع لغيره، وكذلك حوائج الخلق لا تقوم في سائر أنواع الحرف والأعمال من التجارة والزارعة والبناء وغيرها [إلا به].
وفيه خصوصية في حق المحن، وهو ما يظهر عند فرض القتال صدق إيمان المحقق ونفاق المرتاب؛ بقوله:
{ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً } [النساء: 77]، ونحو ذلك، فظهر الصادق من الكاذب في الحروب، وإنما ذلك بالحديد؛ فصار مخصوصا في حق المحنة وغيرها من المنافع، حتى لا يلتثم أمر من أمور المعاش إلا به؛ فلذلك خص، والله أعلم.
وقال أهل التأويل: أنزل من السماء المطرقة والفلاة والكلبتين.
وعندنا ليس على حقيقة الإنزال من السماء كذلك.
ومعنى قوله تعالى: { وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ }، أي: خلقنا؛ كقوله:
{ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ } [الزمر: 6]، أي: خلقها، وقوله تعالى: { أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ } [الأعراف: 26] ومعلوم أنه لم ينزل اللباس على ما هو عليه؛ ولكن معناه: خلقه لباسا لهم؛ كذلك هذا.
وقوله - عز وجل -: { وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ } يحتمل { مَن يَنصُرُهُ } أي: دينه أو أراد بإضافة النصر إلى نفسه نصر رسوله محمد وسائر رسله عليهم الصلاة والسلام.
ثم نصر الرسل مرة يكمون بتبليغ ما أمروا إلى قومهم، ينصرونهم، ويعينونهم على ذلك، ونصر دينه إظهاره في الخلق والذب عن أهله المعونة لهم؛ هذا يحتمل، وعلى هذا يخرج قوله تعالى:
{ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } [محمد: 7]، والله أعلم.
وجائز أن يكون المراد من إضافة النصر إليه نصر أنفسهم ودينهم، إذ هم المنتفعون بذلك، ولهم يحصل ذلك النفع وتلك المعونة، لكنه بفضله وكرمه، سمى ذلك: نصره، وأضافه إلى نفسه، على ماجعل لأعمالهم التي يعملونها لأنفسهم ثوابا، وذكر لهم على ذلك أجرا، كأنهم عاملون له، وهم المنتفعون بها، المحتاجون إليها، فعلى ذلك جائز أن يكون ما عملوا لأنفسهم سماه: نصرا له وإن كان ذلك النصر لهم، وأنه ناصر الكل؛ حيث قال:
{ إِن يَنصُرْكُمُ ٱللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ } [آل عمران: 160]، أخبر إنه إذا نصرهم لا غالب لهم سواه، وإذا خذلهم لا ناصر لهم دونه، والله أعلم.
ثم قوله - عز وجل -: { وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ } يخرج على وجهين:
أحدهما: ليعلم من قد علم أنه ينصر: ناصراً وليعلم من قد علم بالغيب أنه يكون كائنا شاهدا، والتغيير على المعلوم لا على العلم.
والثاني: يريد بالعلم المعلوم، وذلك جائز في اللغة، ذكر العلم والفعل على إرادة المعلوم والمفعول؛ نحو مايقال: الصلاة أمر الله، أي: بأمر الله؛ لأن الصلاة لا تكون أمره.
وقوله - عز وجل -: { إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيز } ذكر هذا؛ ليعلم أنه لم يأمر فيما أمرهم من القتال والنصر لحاجة نفسه، ولا استعملهم فيما استعمل من النصر والمعونة لنفسه، ولا أن يكتسب بذلك العز لنفسه؛ حيث أخبر أنه قوي بنفسه عزيز بذاته، ولكن أمرهم بما أمر، واستعملهم فيما استعمل؛ لنصر أنفسهم ولقوتهم، والله أعلم.
قوله - عز وجل -: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ }، وإنما ذكر نوحا وإبراهيم - والله أعلم - لما أخبر أنه جعل في ذريتهما النبوة والكتاب؛ وإلا قد ذكر الرسل بجملتهم في قوله تعالى: { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ }؛ فدخل نوح وإبراهيم - عليهما السلام - في قوله: { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ }، ثم ذكر أن منهم من اهتدى - أي: من قومهم - وكثير منهم فاسقون بقوله: { فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَفَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ }، يخبر رسوله عليه الصلاة والسلام أنه قد كان في قومهم من اتبعهم؛ فصاروا مهتدين، ومنهم من ترك اتباعهم، وخرجوا من أمر الله؛ فصاروا فاسقين، يصبره، ويسكن قلبه على ما كان في قوم من تقدم من الرسل من المجيبين لرسله والتاركين للإجابة كقومك، أي: لست أنك بأول من كذب ورد قوله؛ تعنتا وعنادا، والله الهادي.
وقوله - عز وجل -: { ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا } أخبر أنه جعل في ذريتهما النبة والكتاب، وبعث منهم رسلا.
ذكر في الآية الأولى أنه جعل في ذريتهما النبوة والكتاب، ولم يذكر الرسالة، وذكر في هذه الآية الرسالة فيهم وفي ذريتهم، أي: أسلنا رسولا على أثر رسول، وأتبعنا بعضهم بضعا: من قفا يقفو.
ثم ذكر أنه قفى بعيسى بن مريم؛ لأن عيسى - عليه السلام - من أولاد إسحاق - عليه السلام - وبعث محمدا صلى الله عليه وسلم من بعد، وهو من ولد إسماعيل، عليه السلام.
وقال بعض أهل التأويل: وقفينا أي أتبعنا، ويقال: قفيت فلانا، أي: عينته وسميته، وقفوته أقفوه قفوا وقفيا، واقتفيت به، أي: لزمته.
وقوله - عز وجل -: { وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً }، وصف الله تعالى الذين اتبعوا الرسل وآمنوا بهم بالرحمة والرأفة فيما بينهم، وهو كما ذكر في آية أخرى:
{ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً } [آل عمران: 103]، وققال: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً } [مريم: 96]، وقال في آية أخرى: { أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } [الفتح: 29]، وقال: { أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } [المائدة: 54]، ونحو ذلك؛ وذلك لأن السبب الذي جمعهم واحد، وهو التوحيد والإسلام.
قي: كيف وقع بينهم من العداوة والبغضاء ما وقع وسبب الجمع قائم، حتى استحل بعضهم قتال بعض من نحو الخوارج والمعتزلة؟
قيل: إنما وقع ذلك فيما بينهم وإن كان سبب الجمع قائما؛ لما كانت تلك الألفة والرأفة بلطف من الله تعالى، وقد زال ذلك اللطف وارتفع، وحديث بينهم ما حدث.
أو نقول: إن الخوارج قد أحدثوا من أنفسهم أشياء حتى سموا المسلمين كفرة بما ارتكبوا الكبائر، حتى نصبوا القتال والحرب معهم، وكذلك المعتزلة سموا أصحاب الكبائر: فسقة وفجرة ومنزلتهم بين الكفر والإيمان ومن سمّى آخر: كافرا أو فساقا، فلا شك أن يحدث بينهما عداوة وتباغض، فما حدث بيننا وبينهم من العداوة بتسيمتهم إيانا فسقة وفجرة وكفرة بارتكاب الكبائر، وإن كان السبب الذي جمعهم قائما عندنا، والله الموفق.
وقوله - عز وجل -: { وَرَهْبَانِيَّةً ٱبتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ... } الآية، ذكر في القصة أن في الفترة التي كانت بين عيسى ومحمد - عليهما الصلاة والسلام - كان من بني إسرائيل ملوك غيروا التوراة والإنجيل، وبقي منهم أناس مؤمنون بعيسى - عليه السلام - ويعملون بما في الكتب، فهم هؤلاء الملوك أن يقتلوهم لإبائهم اتباعهم والعود إلى مذهبهم، فخرجوا من بينهم، فترهبوا؛ رجاء أن يتخلصوا منهم، فذلك { وَرَهْبَانِيَّةً ٱبتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ }، أي: فرضنا عليهم تلك الرهبانية، ولم نأمرهم بها، ولكن فرض عليهم وكتب في الجملة أن يطلبوا رضوان اله فابتدعوا تلك الرهبانية؛ رجاء أن يكون فيه رضوان الله، والله أعلم.
قال: { فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا }، أخبر أنهم ابتدعوا شيئا لم يكتب عليهم، ثم ذكر أنهم لم يرعوه حق رعايته، ذمهم، لتركهم الرعاية لما بتدعوه، ففيه دلالة أن من افتتح أمراً لم يفرض عليه من صلاة أو صوم أو نحو ذلك، ثم لميقم بوفائه وإتمامه، لحقه ذم كما لحق هؤلاء.
وقوله - عز وجل -: { فَآتَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } أخبر أن الذين آمنوا وثبتوا على الإيمان أنه يؤتيهم أجرهم، أي يوجب لهم أجرهم، { وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ }، أي: كافرون.
كذلك ذكر في حرف ابن مسعود رضي الله عنه: (وكثير منهم كافرون).
وذكر أن بعضا بعدما ترهبوا اشتد عليهم الترهيب؛ فعادوا، ورجعوا، ودخلوا في دين أولئك الملوك، والله أعلم.
قال القتبي: { وَرَهْبَانِيَّةً }: أي: العبادة، يعني: الخوف.
و{ ٱبتَدَعُوهَا } الابتداع أن تفعل شيئا لم يفعل قبلك، يقال منه: أبدعت، وابتدعت، وبدعت أيضا.
وقيل: الرهبانية اسم مبني من الرهبة، لما فرط فيه وقد نهى الله عنه بقوله:
{ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ } [النساء: 171] ويقال: دين الله بين المقصر والغالي.
وقوله: { مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ }، أي: ما أمرناهم بها، ولله أعلم.