التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْاْ بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَتَنَاجَوْاْ بِٱلْبِرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
٩
إِنَّمَا ٱلنَّجْوَىٰ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ
١٠
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلْمَجَالِسِ فَٱفْسَحُواْ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَانشُزُواْ يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
١١
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ ٱلرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٢
ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
١٣
-المجادلة

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْاْ بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَتَنَاجَوْاْ بِٱلْبِرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ }.
إن أهل التأويل صرفوا الآية إلى المنافقين، وعندنا يحتمل صرف النهي إلى المؤمنين عن التناجي بمثل ما تناجوا أولئك، أي: لا تتناجوا أنتم يأهل الإيمان فيهم بالإثم والعدوان كما تناجوا فيكم، يقول: لا تجاوزهم بالذي فعلوا هم بكم، ولكن تناجوا فيهم بالبر والتقوى، وهو كقوله - تعالى -:
{ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ } [المائدة: 2]: نهى المؤمنين أن يجازوهم جزاء الاعتداء الذي كان منهم من صدهم عن المسجد الحرام؛ بل أمرهم [بالتعاون] علكى البر والتقوى، قال: { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ } [المائدة: 2]، فعلى ذلك يحتمل هذا، والله أعلم.
وجائز أن يكون في المؤمنين حقيقة على الابتداء؛ نهيا منه لهم، يقول: إذا تناجيتم فلا تتناجوا فيما يؤثمكم ويحملكم على العدوان: على المجاوزة عن الحد، ومعصية الرسول فيما يأمركم وينهاكم، { وَتَنَاجَوْاْ بِٱلْبِرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ }: يحتمل كل أنواع الخير، وأما التقوى فهو كل ما يقون به أنفسهم عن النار، وقد تقدم ذكره.
وقوله - عز وجل -: { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }.
جائز أن يكون هذا الخطاب لهم - أعني: المؤمنين والكافرين الذين يقرون بالحشر - لأن أهل الكتاب وبعض المشركين يقرون بالبعث، وبعض المشركين ينكرون مع الدهرية.
وقوله - عز وجل -: { إِنَّمَا ٱلنَّجْوَىٰ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ }.
أي: النجوى الذين كانوا يتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول، ليس كل نجوى على ظاهر ما يخرج الخطاب عامّاً؛ ولكن يرجع إلى النجوى التي ذكرنا، وهو الذي نهوا عنه.
ثم قوله: { إِنَّمَا ٱلنَّجْوَىٰ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ } جائز أن يكون معناه: ابتداء النجوى في الشر من الشيطان، وهو ما ذكر في بعض القصة أن الله - تعالى - لما خلق آدم - عليه السلام - قال إبليس للملائكة: أرأيتم إن فضل هو عليكم ما تصنعون؟ فأجابوه بما أجابوا؛ فقال هو: إن فضلت عليه لأهلكنه، وإن فضل هو على لأعادية، فقد ناجاهم في أمر آدم - عليه السلام - بالشر، فكان أول النجوى في الشر من الشيطان.
وقوله - عز وجل -: { لِيَحْزُنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ }.
لولا أن الشيطان ي حال الحزن يكون أملك على إفسادهم وإخراجهم من أمر الله - تعالى - وإدخالهم في نهيه؛ وإلاش لم يكن لقوله: { إِنَّمَا ٱلنَّجْوَىٰ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } معنى؛ فدل في أنه - لعنه الله - في حال الحزن والغضب أملك وأقدر من حال السرور والسعة، لكنه بما يدعوه إلى اللذات ويمنيه أشياء كان قصده من ذلك أن يوقعه في الضيق والشدة لما هو عليه أقدم في تلك الحال؛ ولذلك قال لآدم وحواء - عليهما السلام -:
{ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } [طه: 120] تلقاهم بالغرور بالذي ذكر، ومناهم ما ذكر، وكان قصده من ذلك إبداء عورتهما وإيقاعهما في الضيق والبلاء؛ حيث قال: { فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا... } الآية [طه: 121]، مكن الله - تعالى - إبليس من الشر بالذي ذكرنا، ولم يمكن له من إفساد الطعام واللباس والأشربة ونحو ذلك، وهو دون الأول، وذلك أكثر، لكن هذا في الضرر الدنياوي أكثر؛ فلم يمكنه من إفساد هذه الأشياء تفضلا منه وإحساناً عليهم، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ }.
أي: ليسوا بضارين لهم فيما يتناجون من الكيد بهم والمكر، والله أعلم.
ثم قال: { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ }.
أي: في دفع من قصدهم من الكيد بهم والمكر والهلاك، وعليه يتوكلون في النصر لهم والمعونة على أعدائهم، والتوفيق لهم في كل خير، وكل هذا وصف المؤمنين وأما المعتزلة، فهم بمعزل عن هذه الآية، وكذلك: المؤمنون على قولهم غير متوكلين على الله؛ لأنهم يقولون: إن الله - تعالى - قد أعطى كلا من النصر والمعونة ما ينتصر على أعدائه وينتقم منهم حتى لا يبقى عنده مزيد ما ينصرهم ويعينهم على شيء؛ فعلى قولهم لا يقع للمؤمنين في التكل على الله تعالى - شيء؛ لأنه ليس عنده ما ينصرهم ولا ما يعينهم، فعلى ماذا يتوكلون عليه على قولهم إذا لم يملك ما ذكرنا، ومن قولهم: إن على الله - تعالى - أن يعطي من المعونة والتوفيق حتى لا يبقى عنده مزيد بشيء فلو منع شيئاً من ذلك لم يعطهم يكون جائزاً، ثم إذأ أعطاهم ما ذكروا، ولا يهتدون ولا ينتصرون، والله - تعالى - قال:
{ إِن يَنصُرْكُمُ ٱللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ } [آل عمران: 160]، وقال: { مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِي } [الأعراف: 178]؛ فدل أن ما قالوا مخالف للكتاب.
ثم اختلف في اشتقاق النجوى:
فمنهم من قال: هو النجوة، وهو المكان العالي المرتفع: وذلك أنهم كانوا يقومون في مكان مرتفع فيتحدثون فيه فإذا رأوا من قصد بهم فيتفرقون، أو كلام نحو هذا معناه.
ومنهم من قال: التناجي: التخالي بما ذكروا، فيكون معنمى قوله: { إِذَا تَنَاجَيْتُمْ } أي: إذا تحاليتم فلا تتخالوا بما ذكر.
وقال القتبي: التناجي من التشاور، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلْمَجَالِسِ فَٱفْسَحُواْ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ... } الآية.
يخرج على وجهين:
أحدهما: وإذا قيل لكم تأخروا في المجلس فتأخروا، { وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَانشُزُواْ }، أي: ارتفعوا وتقدموا؛ فيكون قوله: { تَفَسَّحُواْ } إذا كان الحضور أولا هم الذين هتمهم السماع العلم به ثم جاء من يريد التفقه فيه، فقيل لهم: تأخروا؛ حتى يقرب من يصير إماماً للناس وفقيهاً لهم. وإذا كان الحضور هم الذين هتمهم أن يكونوا هم الأئمة، ثم جاء بعد ذلك من كان همتهم السماع والعمل به، قيل للذين تقدموا أولا: ارتفعوا وتقدموا حتى يسمع من حضر بعدكم قول النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.
والثاني: أنه إذا كان في المجلس أدنى سعة وفسحة ما يمكن تمكين غيره بالتحريك والتفسح دون القيام يقال لهم: تفسحوا. وإذ لم يمكن ذلك إلا بالقيام قيل لهم: قوموا وارتفعوا وتقدموا.
وقوله: { يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ } يحتم لوجوهاً:
أحدها: يفسح الله لكم في القبر، أو في الآخرة في الجنة، أو يفسح الله لكم في المجلس أو يفسح لكم فسحة القلب وتوسعة للعلم والحكم، والله أعلم.
وقال الحسن: { إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلْمَجَالِسِ }، أي: في القتال والحرب، { وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَانشُزُواْ }، أي: إذا قيل: انهزوا إلى العدو فانهزوا.
قال قتادة: أي: إذا دعيتم إلى خير أو صلاة فأجيبوا.
وقيل: هو كل خير: من قتال عدو، أو أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو حق كائناً ما كان، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ }.
أخبر أنه يرفع الله الذين آمنوا، وأخبر أنه يرفع الله الذين أوتوا العلممن المؤمنين على الذين لم يؤتوا العلم درجات؛ لفضل العلم على سائر العبادات من الجهاد وغيره؛ ألا ترى أنه قال في آية الجهاد:
{ فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ دَرَجَةً } [النساء: 95] جعل للمجاهدين على القاعدين فضل درجة، وللذين أوتوا العلم على الذين لم يؤتوا درجات؛ ليعلم فضيلة العلم على غيره، وكذلك قوله - تعالى -: { فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوۤاْ إِلَيْهِمْ } [التوبة: 122].
قال بعضهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس قوماً عند نفسه؛ ليتفقهوا في الدين، ويبعث قوماً سرايا، حتى إذا رجع السرايا أنذرهم الذين تفقهوا في الدين وتعلموا من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإن كان التأويل هذا؛ ففيه دلالة فضيلة العلم على الجهاد؛ حتى أحوج أولئك إليهم.
وقال بعضهم: كان ينفر من كل قوم طائفة؛ ليتفقهوا في الدين، فإذا رجعوا إلى قومهم أنذروا قومهم.
وقال قتادة: إن بالعلم لأهله فضيلة، وإن له على أهله حقّاً، ولعمري الحق عليك أيها العالم أفضل، والله يعطي كلا من فضل فضله.
وقتادة يقول في قوله - تعالى -: { إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ }: إنهم كانوا إذا رأوا أحدهم مقبلا يضنون بمجالسهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر الله - تعالى - أن يفسح بعضهم لبعض.
وقال مقاتل: أقبل نفر من الأنصار ممن شهد بدراً، فسلموا على النبي صلى الله عليه وسلم ومن حوله، فردوا السلام، وضنوا بمجلسهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يوسعوا لهم؛ فقال لهم رسول الله: "قم يا فلان ويا فلان" لنفر منهم من الذين لم يشهدوا بدراً؛ فتكلم في ذلك المنافقين؛ فنزلت هذه الآية، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ ٱلرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً }.
يشبه أن يكون ما ذكر من مناجاة الرسول - عليه السلام - على جوه، والناس في مناجاته طبقات:
أحدهم: يناجيه مسترشداً في أمر الدين، وما ينزل به من النوازل.
والآخر: يناجيه افتخاراً به على غيره من الناس ومباهاة منه؛ ليعلم أن له خصوصية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وفضلا له عنه، وهو صنيع المنافقين.
والفريق الثالث: يناجونه؛ ليسمعوا الناس الكذب ويسمعوهم غير الذي سمعوا، كقوله - تعالى -:
{ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ } [المائدة: 41] وهم اليهود وصنيعهم ما ذكر؛ فجائز أن يخرج المناجاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الوجوه التي ذكرنا.
ثم ما ذكر من تقديم الصدقة على المناجاة يخرج على وجوه:
أحدها: أمر بتقديم الصدقة؛ لعظم قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم والخصوصية له، يطهر بتلك الصدقة ويصير أهلا لمناجاة بها، وهو كالطهارة التي جعلها سبباً للوصول إلى مناجاة الرب، سبحانه وتعالى.
والثاني: لما خصهم بمناجاة الرسول، وجعلهم أهلا لها، أمرهم بتقديم الصدقة؛ شكراً له منهم بذلك.
والثالث: جائز أن يكون أمرهم بتقديم الصدقة؛ امتحاناً منه أياهم؛ ليظهر حقيقة أمرهم، وهو ما جعل الأمر بالجهاد سبباً لظهور نفاقهم وارتيابهم في الأمر؛ فكذلك الأول، والله أعلم.
وجائز أن يكون الأمر بالصدقة لأهل المناجاة على الذين كانت لهم حوائج عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمنعونه عن قضاء حاجاتهم بالاشتغال بالمناجاة، أمرهم بالصلة لأولئك؛ تطييباً لقلوبهم، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ }.
أي: أن تقديم الصدقة أطهر لقلوبكم من ترك الصدقة.
وقوله: { فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }.
جائز أن يكون هذا الأمر لأهل الغناء دون الفقر، حتى قال: { فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ } ما تصدقون به، { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }.
وقوله - عز وجل -: { ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ }.
قال عامة أهل التأويل: أي: أبخلتم يأهل الميسرة أن تقدموا بين [يدي] نجواكم صدقات؟
وقوله - عز وجل -: { فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ }.
أي: تجاوز عنكم إذا لم تفعلوا.
{ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ }.
أي: إذا لم تصدقوا تلك الصدقة فآتوا زكاة أموالكم.
قال أهل التأويل: نسخ ما أمروا به من الصدقة عن المناجاة بما ذكر: من إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة.
وقوله - عز وجل -: { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }.
هذا وعيد، ثم في قوله: { إِذَا نَاجَيْتُمُ ٱلرَّسُولَ } دلالة قبول خبر الواحد؛ لأنه يناجيه ولا يعلم به غيره؛ دل أنه يقبل إذا أخبر به غيره.
وفيه أن لا كل مناجاة تكون من الشيطان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ناجى من ذكر؛ فدل أنه قوله: { إِنَّمَا ٱلنَّجْوَىٰ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ } مصروف إلى ما سبق ذكره.
وفيه ألا يفهم من ذكر اليد الجارحة لا محالة؛ فإنه قال: { بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ }، وليس للنجوى يدٌ ولا بين، وكذلك قوله:
{ لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ } [فصلت: 42]، ولم يشكل على أحد أنه لم يرد باليد الجارحة هاهنا؛ فكيف فهم فيما أضيف إلى الله - تعالى - في قوله: { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } [المائدة: 64]، وقول رسول الله صلى لله عليه وسلم: "الصدقة تقع في يد الرحمن": الجارحة، لولا فساد اعتقادهم في الله - تعالى - وتشبيههم إياه بالخلق.
وقال قتادة: أكثروا النجوى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعهم الله تعالى عنه، فقال: { إِذَا نَاجَيْتُمُ ٱلرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً... } الآية.
وعن علي - رضي الله عنه - أنه قال: أنا أول من عمل بها، تصدقت بكذا، ثم نزلت الرخصة.