التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَٱحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٤
إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَٱللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
١٥
فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ وَٱسْمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنْفِقُواْ خَيْراً لأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
١٦
إِن تُقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ
١٧
عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
١٨
-التغابن

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَٱحْذَرُوهُمْ }.
يحتمل أن يكون على تحقيق العداوة، ويحتمل أن يكون على فعل العداوة؛ فإن كان على تحقيق العداوة فهو يحتمل وجهين:
أحدهما: عداوة ظاهرة، وهي عداوة الكفر والشرك؛ وذلك أنه كان في ذلك الزمان يسلم الرجل ويبقى ولده وزوجته على الكفر، فعلمهم الله تعالى صحبة الأولاد والزوجات: أنه إذا دعوكم إلى الكفر والشرك، فاحذروهم أن تطيعوهم وأن تعفوا عن عقوبتهم على ما دعوكم إليه، وتغفروا؛ فإن الله غفور رحيم.
ثم ذكر الله - عز وجل - في صحبة الأولاد والزوجات إذا كانوا كفارا -العفو والصفح، ولم يذكر ذلك في الوالدين المشركين، ولكنه أمره أن يصاحبهما في الدنيا معروفا لقوله:
{ وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً } [لقمان: 15]، فوجه ذلك - عندنا والله أعلم -: أن يجري سلطانه وغلبته وقهره على زوجته وولده، فأمره هاهنا بالعفو والصفح، وأما في الوالدين فليس يجري [له عليهما] السلطان والقهر والغلبة؛ فلا معنى [للعفو والصفح] عنهما، لكنه أمر [أن يصاحبهما] في الدنيا معروفا وألا يطيعهما فيما أمراه من المنكر، والله أعلم.
ويحتمل أن تكون هذه العداوة عداوة مستورة، وهي عداوة النفاق، فكأنه قال: إن من أزواجكم وأولادكم عدوّاً لكم وأنتم لا تشعرون، وإن تعفوا عن جنايتهم ولم تؤذوهم عليها وتصفحوا وتغفروا؛ فإن الله غفور رحيم؛ ألا ترى إلى ما حذر الله المؤمنين من أهل النفاق مع أنهم من الضعف والفشل [؛ كما أخبر الله] - عز وجل - عنهم بقوله:
{ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ } [المنافقون: 4] فكذلك الأزواج والأولاد وإن كانوا تحت قهره [وغلبته، أمره] بالحذر عنهم، والله أعلم.
ويحتمل أن يكون على فعل العداوة، ليس أنهم أعداء في الحقيقة، وذلك أنهم في المتعارف والمعتاد يدعون الآباء إلى البخل والمنع عن الإنفاق على غيرهم، ويشتد عليهم صنع أبيهم من الإحسان والبر في حق الناس، ويكرهون ذلك، وهذا في الظاهر فعل العدو؛ فيجوز أن يكون الله تعالى علم صحبة هؤلاء أن من أزواجهم وأولادكم من يظهر فعل العداوة فاحذروهم أن تمتنعوا عن وجوه الإحسان إليهم والتبرع بقولهم، وإن تعفوا عن صنيعهم بكم وتغفروا { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }.
وقوله -عز وجل-: { إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ }.
المفتون: [هو] المولع بالشيء العاشق له، فكأنه قال: إنما أموالكم وأولادكم معشوقكم؛ فلا يحملكم حبهم على أن تتركوا ابتغاء الأجر العظيم عند الله تعالى.
ويحتمل أن يكون معناه: أن الله تعالى لم يخلق الأزواج والأولاد لكم مجانا، وإنما خلقهم ليبتليكم، ويمتحنكم: أن كيف تعاملون الله تعالى فيما أمركم به ونهاكم عن حبهم، ثم أخبر أن الله عنده أجر عظيم؛ ليتحملوا المؤنة العظيمة في أوامره ونواهيه عن حبهم الأولاد والأموال، وهذا معنى ما قال بعضهم: إن الأزواج والأولاد كانوا يتعلقون بهم، ويقولون: ننشدك بالله أن [لا] تذرنا وتضيعنا، إذا أراد الرجل أن يهاجر إلى المدينة.
والأشبه ألا يكون هذا؛ لأن هذه الآية نزلت بالمدينة وأفعالهم هذه إنما كانت بمكة، إلا أن يكونوا كتبوا إليهم بها، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ }.
قال بعضهم: نسخت هذه الآية قوله تعالى:
{ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } [آل عمران: 102] حيث أمر هاهنا بالاتقاء على قدر الاستطاعة، وثم بخلافه، ولكن هذا لا يستقيم؛ لأن قوله: { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } [آل عمران: 102] لا يراد به الاتقاء فيما لا يستطيعون لا فوق الطاقة والاستطاعة، ولكنه إن كان [فوجهه: أن] { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } [آل عمران: 102] وإن هلكت فيه طاقتكم؛ لأنهم أمروا بتقوى تهلك به طاقتهم على ما قال: { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ ٱقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ أَوِ ٱخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُمْ } [النساء: 66]، ولو كتب عليهم أن يقتلوا أنفسهم جاز ولكنه تهلك طاقتهم فيه، فكذلك الأول، ثم قال: { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ } تخفيفا عليهم وتيسيرا والله أعلم.
ولكن الكلام في أن كيف قال: { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ } ولم نكن نتقي لولا هذه الآية إلا ما استطعنا، ولكن معناه -والله أعلم-: على جهة البشارة: أنكم إذا قصدتم قصد التقوى، آتاكم الله -تعالى- الاستطاعة في تقواه، وهو كقوله تعالى:
{ وَٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } [العنكبوت: 69]، وقوله - عز وجل -: { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ } [الليل: 5-8].
وهذه الآية على المعتزلة؛ لأنهم يقولون: إن الاستطاعة تتقدم الفعل، وهي تزول عن الفاعل وتقدم عند الفعل، ولو كان كذلك كان يجعل قوله: { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ } استطاعة زالت عنهم، وكذلك قوله:
{ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ } [الأعراف: 145]، وكذلك قوله: { خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ } [البقرة: 63]، زالت عنهم هذا مستحيل، والذي يؤيد قولنا قول الله جل ثناؤه: { فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً } [المجادلة: 4]، والحاجة إلى هذه الاستطاعة تقع عند أداء البدل عن الأصل، فأما قبل ذلك إن كان مستطيعا أو غير مستطيع فهو سواء.
قوله تعالى: { وَٱسْمَعُواْ وَأَطِيعُواْ }.
أي: اسمعوا إلى ما أمركم الله تعالى به ورسوله.
أو يكون قوله: { وَٱسْمَعُواْ } بمعنى: أجيبوا لما أمركم الله به، وإلى ما دعاكم الله ورسوله؛ كقوله: "سمع الله لمن حمده"، أي أجابه.
وقوله -تعالى-: { وَأَنْفِقُواْ خَيْراً لأَنفُسِكُمْ }.
أي: وأنفقوا مما زرقناكم خيرا لكم من أن تدعوا الإجابة لما أمركم والإنفاق مما رزقكم.
وقوله -عز وجل-: { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ }.
قال سفيان بين عيينة: أي: ومن يوق ظلم نفسه، والشح: الظلم.
[وقال بعضهم: الشح: البخل، الذي فيه الحرص.
قال: { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ }] أضاف الوقاية إلى نفسه؛ ليعلم أن من اتقاه فإنما اتقاه بما وقاه الله تعالى بلطفه وكرمه، ألا ترى إلى قوله:
{ قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً } [التحريم: 6] كيف علمهم ذلك التقوى بقوله: { وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } [البقرة: 201] [أن قولوا: وقنا عذاب النار؛ ليعلم أن] جميع أفعال العباد إنما تقوم وتصح بتدبير الله -تعالى- وتوفيقه وتسديده وتقديره، والله أعلم.
ثم قوله: { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } فيه أوجه من الدلالة:
أحدها: أن قوله: { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ } لم يبين فاعله، ففيه بيان أن في سلطان الله وملكه ما يقي به شح عبده، وأنه إذا وقاه شح نفسه أفلح، وكذلك في قوله:
{ إِن يَنصُرْكُمُ ٱللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ } [آل عمران: 160] إخبار أن من ينصره الله فلا يغلب، وقد يرى في الشاهد من لا يوق شح نفسه ألبتة، ومن قد يوق شح نفسه ولا يفلح، وقد نرى من يجاهد أعداءه فيغلب، مع ما وعده وأخبر أنه هو الغالب وأنه لا يغلب، فلا بد في ذلك من أحد وجهين:
إما أن لم يكن لله تعالى النصرة في ملكه وسلطانه كما ادعى، فهو كاذب فيما ادعى، وإما أن آتاه من القوة ما يقي به شح نفسه فلم يفلح؛ فصار كاذبا في خبره.
[فأما المعتزلة فإنهم زعموا] أن الله تعالى قد آتى عبده جميع ما يقي به شح نفسه حتى لم يبق في خزانته شيء يؤتيه ليقي به شح نفسه -كذبة، وإذا لم يكن بد من نسبة الكذب إلى الله تعالى أو إلى المعتزلة، كانت المعتزلة أولى أن ينسبوا إلى الكذب من رب العالمين فيما أخبروا هم، وأن الله تعالى [فيما أخبر صادق] وأن في ملكه وسلطانه ما لم يؤت عبده ليقي به شح نفسه، والله المستعان.
وفيه دلالة على إبطال قول من قال: إن على الكفرة أداء هذه العبادات، والحقوق واجبة، وذلك أن الله تعالى وعد في هذه الآية أن من وقي شح نفسه، وأدى ما وجب عليه من هذه الحقوق فقد أفلح، وقد ترى الكافر في الشاهد [يوقي شح نفسه] ويؤدي [حقوق أمواله] ويسخو بماله على الناس، ولا يفلح ولو كان عليه هذه الحقوق واجبة، لكان يحصل له الفلاح، ثبت أنه ليس عليه أداءها وإنما عليه قبولها، والله أعلم.
وفيه أن صاحب الكبيرة قد يرجى له الفلاح وإن لم يتب عن الكبيرة حتى مات؛ لأنا قد نرى صاحب الكبيرة قد يوقي شح نفسه، وقد وعد الله -عز وجل- أن من وقي شح نفسه، فهو من المفلحين، فإذا كان صاحب الكبيرة قد يوقي شح نفسه؛ فقد ثبت أنه يرجى له الفلاح، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { إِن تُقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ }، تولد من هذه الآيات ظنون فاسدة:
أحدها: ظن اليهود، حيث قالوا: إن الله فقير ونحن أغنياء؛ وذلك أنهم لما سمعوا أن الله تعالى يقول: { إِن تُقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } والاستقراض في الشاهد يدل على الحاجة إلى ما يستقرض، وكذلك قوله - تعالى -:
{ إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ } [التوبة: 111]، والشراء يدل على حاجة في المشتري، وحيث استعمل عبيده في الأعمال، ثم قال: { فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ } [آل عمران: 179]، ورأوا أن من يستعمل آخر فإنما يستعمله في عمل ترجع منفعته عليه ويحتاج إلى عمله، ظنوا بذلك أن الله فقير وأنه محتاج.
وظنت المعتزلة أن أنفس العبيد وأملاكهم ملك لهم حقيقة ليس لله -تعالى- في شيء من ذلك ملك ولا تدبير، قالوا: وذلك أن الله تعالى استقرض من عبيده، والمرء في الشاهد لا يستقرض ملك نفسه، فلما استقرض واستباع دل أن هذه الأشياء كانت ملكا لهم حقيقة.
والذي يدل على أن قول المعتزلة على ما وصفنا: أن من قولهم: إن ليس لله تعالى أن يمرض أحداً ولا يؤلم ذاته إلا بعوض، ومن لم يملك فعل شيء إلا بعوض أو بدل تبين أنه لا يملكه؛ فثبت على أن عندهم أنه لا يملك حقيقة، وأن حقيقة الملك فيه للعبيد.
ويشبه أن يكون ظن [اليهود والمعتزلة] جميعاً إنما تولد من قولهم: إن ليس لله تعالى أن يفعل بعبيده إلا ما هو أصلح لهم في دينهم، فذهبت اليهود إلى أن هذا لما كان حقّاً على الله أن يفعله لا محالة حتى إذا لم يفعله يكون جائرا، ومن كان مأخوذا بحق أو بشيء يفعله، ففيه بيان أن حقيقة ذلك الفعل لغيره حتى أخذ به لا محالة؛ لذلك قلنا: إن ظنونهم تولدت عن القول بالأصلح، والله المستعان.
وأما الحكماء وأهل العقل ومن انتفع بعقله، حمل هذه الآيات من الله تعالى على نهاية الكرم وغاية الغناء؛ لأن الله تعالى أعطى عبده، ثم استقرض منه ذلك الذي أعطاه؛ ليصير ذلك العطاء دائما ببدله الدائم، وهو النعيم في الآخرة، ومعلوم أن من أراد دوام عطاء من أعطاه فهو في غاية الكرم، وكذلك اشترى منه حياة فانية؛ [ليعطي له] حياة دائمة، وهذا من غاية الجود، ومن استعمل عبده في عمل يوصف بأنه جواد سخي ويشرف به، ويكرم ثم وعد له على ما فيه شرفه أجراً دائماً، دل على غناه، فثبت أنه أراد بهذه الآيات أن يعلمنا غاية كرمه وغاية جوده ونهاية غناه، وأن جوده وكرمه مما لا تدركه عقولنا، والله المستعان.
والذي يدل على غاية كرمه وغاية جوده: أن جعل ما نتصدق به على فقرائنا وما نصل به أرحامنا قرضا حسنا على نفسه، ووعد الأجر بعمل يعمله العبد لنفسه، وعلى عمل [على] العبد فعله لا محالة، ولا شك أن ذلك من غاية [الجود والكرم] والله المستعان.
ثم قوله: { إِن تُقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً }.
قال بعضهم: القرض: هو القطع، كأنه قال: اقطعوا شيئاً من أموالكم لله تعالى قطعا حسنا.
وقال بعضهم: اقرضوا، أي: اجعلوا ما تتصدقون به مما فضل عن حاجاتكم على فقرائكم قرضا حسنا على الله تعالى يؤتكم أجره عند حاجتكم إليه.
وقوله: { يُضَاعِفْهُ لَكُمْ }.
يعني: يضاعف ما يعطيكم في الآخرة من الثواب الذي تكرمون به، بما شرفتم به، وتزينتم في الدنيا بالتصدق.
وقوله: { وَٱللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ }.
يعني: شكور؛ حيث شكر لكم على ما أعطيتموه شيئاً هو أعطاكم إياه.
وقوله: { حَلِيمٌ }.
وصف نفسه بالحلم، وعلى قول المعتزلة لا يتحقق هذا الوصف؛ لأنهم يقولون: إنه إذا وجبت العقوبة، فليس لله تعالى أن يؤخرها كرماً منه، وأنه فيما أخرها كان ذلك حقّاً عليه؛ حيث رأى الأصلح في تأخيرها، ومعلوم أن من أدى حقّاً عليه لم يوصف بالحلم، ولكنه يقال: إنه ينفي الجور، والحليم من يحلم عن عقوبة لزمت فيؤخرها ويتركها ويعفو صاحبها عنها؛ فيوصف بالحلم عند ذلك، وأما أن يكون عليه تأخيرها، فلا يوصف بالحلم في هذا الموضع، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ }.
يعني: عالم ما غاب من أفعال الخلق عن الملائكة، وعالم بما شهدوا من أفعالهم، وعالم بما غاب عن العباد، وبما شهده العباد.
وقوله: { ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }.
[العزيز]: الذي لا يعجزه شيء، والحكيم: الذي لا يلحقه الخطأ في تدبيره، ثم المعتاد في القرآن أنه يذكر العزيز الحكيم بعد ذكره خلق الكفرة؛ ليعلم أن فسادهم لا يوجب وهْناً في حكمته وتدبيره، ولا يبطل عزه وسلطانه؛ لأن من صنع إلى آخر شيئاً يعلم أنه يفسد؛ دل ذلك على جهله بالتدبير وإذا استعمل عبده بما يهلكه؛ دل على ذله فأخبر بعد خلق الكفرة: أنه عزيز ليعلم أن كفرهم لا يوجب نقصا في عزه، ولا يدخل ذلا عليه، وأن فسادهم لا يخرجه عن الحكمة والتدبير، [والله أعلم بالصواب].