التفاسير

< >
عرض

وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ
١٣٨
إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٣٩
قَالَ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـٰهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ
١٤٠
وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ
١٤١
-الأعراف

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ ٱلْبَحْرَ }.
دل هذا على أن لله في فعل العباد صنعاً وفعلاً؛ حيث أضاف ونسب المجاوزة إلى نفسه، وهم الذين جاوزوا البحر، دل أن له في فعلهم صنعاً، وهذا ينقض على المعتزلة حيث أنكروا خلق أفعال العباد، وبالله المعونة والعصمة.
وقوله - عز وجل -: { فَأَتَوْاْ عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ }.
العكوف: هو المقام والدوام، وقوله: { يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ }، أي: وجدوهم عكوفاً على عبادة الأصنام مقيمين على ذلك.
وقوله - عز وجل -: { قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً }.
يشبه أن يكون سؤالهم إلهاً يعبدونه لا على الكفر بربهم والتكذيب لرسوله، ولكن لما لم يروا أنفسهم أهلاً للعبادة لله، والخدمة له؛ لما رأوا في الشاهد أنه لا يخدم الملوك إلا الخواص لهم، والمقربون إليهم، ومن بعد منهم يخدم خواصهم، فعلى ذلك هؤلاء سألوا موسى إلهاً يعبدونه؛ لما لم يروا أنفسهم أهلاً لعبادة الله، والخدمة له؛ لتقربهم عبادة تلك الأصنام إلى الله، ويخرج ذلك مخرج التعظيم لله والتبجيل، لا على الكفر وصرف العبادة عنه إلى غيره، وكذلك كان عادة العرب أنهم كانوا يعبدون الأصنام لتقربهم عبادتها إلى الله زلفى، وكذلك ما ذكر في بعض القصّة أن فرعون كان يتخذ لقومه أصناماً يعبدونها؛ لتقربهم تلك الأصنام إليه زلفى، فعلى ذلك سؤال هؤلاء لموسى: { ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً }، والله أعلم.
أو كان سؤالهم ذلك لما لم يروا في الشاهد أحداً يخدم إلا لحاجة تقع له إلى ذلك، فرأوا أن الله يتعالى [عن] أن يعبد ويخدم للحاجة، و [هم] يخدمون القادة والرسل ويعبدونهم لما رأوا [أنهم] ينالون من النعم، وأنواع المنافع من الرؤساء والكبراء؛ لذلك كانوا يخدمونهم، وأما أهل التوحيد فإنهم لا يرون العبادة لغير الله؛ لأنه ما من أحد وإن بعد منزلته ومحله إلا وآثار نعم الله عليه ظاهرة حتى عرف ذلك كل أحد، حتى لو بذل له جميع حطام الدنيا، أو أوعد بكل أنواع الوعيد؛ ليترك الدين الذي هو عليه، ما تركه ألبتة.
وفي أمر موسى - صلوات الله عليه - خصلتان، إحداهما: أن يعلم أن كيف يؤمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، وكيف يعامل مرتكب الفسق والمنكر يعامل على ما عامل موسى قومه باللين والشفقة، وإن استقبلوه بالعظيم من الأمر والمناكير. والثانية: [....].
ويحتمل أن يكون سؤالهم إلهاً يعبدونه لما أن أهل الكفر قالوا لهم: إن الرسل هم الذين أمروهم بعبادة الأصنام؛ كقوله:
{ وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } [الأعراف: 28] فعلى ما قالوا إن الرسل هم الذين أمروهم بذلك، سألوا موسى أن يجعل لهم إلهاً كما لهم آلهة.
وقوله: { إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ }.
أي: أن عبادتهم لهؤلاء متبر، أي: مهلكهم ومفسدهم.
{ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }.
أي: باطل ما يأملون بعبادتهم هؤلاء.
وقال القتبي: التبار: الهلاك، وقال أبو عوسجة: المتبر: المفسد، يقال: تبرت الشيء، أي أفسدته، ويقال: رجل متبر، أي مفسد.
وقوله - عز وجل -: { قَالَ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـٰهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ }.
يحتمل قوله: فضلكم على العالمين بما هداكم ووفقكم للهداية بما لم يوفق ولم يهد أحداً من [العالمين] من عالمي زمانكم.
ويحتمل قوله: { أَبْغِيكُمْ إِلَـٰهاً } دونه وقد فضلكم بما استنقذكم من اسخدام فرعون وقهره إياكم وإخراجكم من يده، وأعطاكم رسولاً يبين لكم عبادة إلهكم الحق.
وقوله: { أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـٰهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ } يقول: أما تستحيون [من] ربكم أن تسألوا إلهاً تعبدونه دونه، وقد فضلكم بما ذكر من أنواع النعم، والله أعلم، وهو ما ذكر في قوله: { وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَونَ ... } الآية، يذكرهم نعمه عليهم بما استنقذهم من فرعون وآله وأهلكهم.
وقوله - عز وجل -: { يَسُومُونَكُمْ }.
قيل: يعذبونكم { سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ } قتل الأبناء، واستحياء النساء، فذلك قوله: { يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ }، قيل في ذلك: يعني فيما أنجاكم من آل فرعون بلاء من ربكم عظيم، يعني: نعمة من ربكم عظيمة، ويقال: البلاء - بالمد -: هو النعمة، وبغير المدّ مقصوراً: الشدّة.