التفاسير

< >
عرض

وَإِذ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
١٧١
-الأعراف

تأويلات أهل السنة

قوله: { وَإِذ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ }.
قيل: رفعنا الجبل؛ كقوله:
{ وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ ٱلطُّورَ } [النساء: 154].
وقيل: نتق: قطع.
وقال بعضهم: حرف أخذ من كتبهم فلا ندري كيف [كان].
وقيل: حركنا؛ وهو قول القتبي.
وقال أبو عبيد: كل شيء قلعته من موضعه فرميت به.
ذكر هذا - والله أعلم - ليصبر رسول الله صلى الله عليه وسلم على سفه قومه؛ لأن قوم موسى مع كثرة ما عاينوا من الآيات التي جرت على يدي موسى، وعظيم ما كان لهم من موسى من النعم؛ من استنقاذه إياهم من استرقاق فرعون، وإخراجهم من يده، وفرق البحر لهم، ومجاوزته بهم، وتفجير الأنهار من الحجر، وإنزال المن والسلوى لهم؛ فجميع ما كان لهم من موسى ما ذكرنا لم يقبلوا التوراة ولم يقروا بها إلا بعد رفع الجبل عليهم والإرسال، فعند ذلك قبلوا؛ يصبر رسولنا؛ لئلا يضجر على مخالفة قومه إياه وكثرة سفههم.
ثم يحتمل أن يكون ما ذكر من رفع الجبل فوقهم [وجهين]:
أحدهما: [أنهم] لما عاينوا ذلك آمنوا [به] وقبلوا الكتاب، لكن ذلك منهم إيمان دفع؛ إذ ذلك قهر، ولا يكون في حال القهر إيمان.
والثاني: صيّر ذلك آية عظيمة وحجة واضحة معجزة، فقبلوها وحققوا الإيمان به، ثم تركوا ذلك، يدل على ذلك ما ذكر في سورة البقرة؛ حيث قال:
{ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ } [البقرة: 64].
وقيل: فخلف من بعد بني إسرائيل خلف السوء وهم اليهود.
{ وَرِثُواْ ٱلْكِتَٰبَ } [الأعراف: 169]، قيل: التوراة عن آبائهم وأوائلهم. { يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ } قالوا: رشوة { وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا } وكانوا يرتشون ويقولون: يغفر لنا؛ لأنهم زعموا أنهم أبناء الله وأحباؤه { وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ } [الأعراف: 169].
قيل: رشوة مثله أخذوها.
وقوله - عز وجل -: { أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَٰقُ ٱلْكِتَٰبِ }.
قالوا: لقد أخذ عليهم في التوراة ألا يستحلوا محرماً، ولا يقولوا على الله إلا الحق في التوراة { وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ }.
وقوله: { وَٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ }.

استحلال المحارم وأكلهم الحرام.
وقوله - عز وجل -: { وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلْكِتَابِ }.
قيل: بالتوراة ولا يحرفونه عن مواضعه، ولا يستحلون محرماً { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُصْلِحِين }.
وقوله - عز وجل -: { وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ }.
أي: أيقنوا أنهم إن لم يقبلوا واقع بهم.
وقوله - عز وجل -: { خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ }.
قد ذكرنا هذا فيما تقدم.
قوله: { خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ } يحتمل وجهين:
أحدهما: { خُذُواْ }، أي: اقبلوا ما فيه.
والثاني: اعملوا بما فيه.
وفيه دلالة كون القوة مع الفعل.
وقوله: { وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ } قيل: اعملوا بما فيه من الحلال والحرام، { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } العقوبة والمعصية.