التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ
٣٠
وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَـٰذَا إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ
٣١
-الأنفال

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ }، من الناس من يقول بأن هذه الآية صلة قوله - تعالى -: { إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي ٱلأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ } [الأنفال: 26] كانوا ضعفاء أذلاء فيما بين الكفرة، خائفين فيما بينهم، فهموا أن يمكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم، والمكر به ما ذكر من القتل والإثبات؛ وهو الحبس والإخراج؛ كأنهم تشاوروا فيما بينهم، واستأمروا ما يفعل به، فذكر في القصة أن بعضهم أشاروا إلى القتل، وبعضهم إلى الحبس، وبعضهم بالإخراج؛ فكأن مشاورتهم وأمرهم رجعت إلى أحد هذه الوجوه: إما القتل، وإما الحبس، [وإما الأخراج] ثم أخرج الله رسوله من بين أظهرهم على الوجه الذي يكون مطيعاً لله، متعبداً له فيما كان خروجه بأمره، فيكون خروجه على غير الجهة التي أرادوا هم به، وسمى خروجه هجرة، وليعلموا أنه إنما علم بكيدهم ومكرهم به بالله؛ لتكون آية من آيات نبوته ورسالته بعد خروجه من بين أظهرهم، ومفارقته إياهم كما كان له من الآيات وقت مقامه بين أظهرهم، وهو كما كان لعيسى آيات وقت مقامه بين أظهرهم، وآية كانت له بالرفع بعد مفارقة قومهم؛ فعلى ذلك الأول.
ولو كانوا [لم] يتوافقوا بما ذكرنا من القتل أو الحبس دون الإخراج، لم يكن ليخرج رسوله من بين أظهرهم، وهم قد هموا بإخراجه، والله أعلم.
وفي قوله: { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ... } إلى آخر ما ذكر، تذكير ما أنعم على رسوله وأصحابه؛ لأنه آواهم إلى الأمن بعد ما كانوا خائفين فيهم، وأنزلهم المدينة بعد ما كانوا في الغيران في الجبال هاربين منهم، ورزقهم من الطيبات طعام البشر بعد ما كانوا يتناولون من طعام البهائم والسباع؛ يذكر نعمه عليهم باستنقاذه إياهم من بين ظهرانيهم، والحيلولة بينه وبين ما قصدوا وهموا بالمكر به والهلاك بقوله: { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ }.
فيه من الوجوه أحتجاجاً عليهم وجهان:
أحدهما: ما ذكرنا أنهم تشاوروا فيما بينهم بالمكر به لم يطلعوا أحداً، ثم علم ذلك هو فخرج؛ ليعلموا أن الله هو الذي أطلعه على ذلك.
والثاني: كان يخوفهم الهلاك بمكرهم برسوله، فخرج من بينهم من غير أن أصابه ما هموا به، وقد أصابهم من الهلاك الذي كان يخوفهم، وحل بهم ما كانوا هموا به وقصدوه، وذلك ما ذكر من مكر الله بهم.
وقوله - عز وجل -: { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ }.
قال بعضهم: أرادوا هم بمكرهم به شرّاً، وهو أن يطفئوا هذا النور؛ ليذهب هذا الدين وتدرس آثاره، وأراد أن يسلم منهم نفر ليكونوا أعواناً ونصراً له، ليأخذوا حظهم بذلك؛ فهر خير الماكرين.
وقيل: { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ }، أي: أرادوا قتله، { وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ }: أراد قتلهم [فقتلهم] ببدر، { وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ } أي: أفضل مكراً منهم، غلب مكره مكرهم.
وقال بعضهم: قوله: { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ }، أي: يجزيهم جزاء مكرهم.
وقوله: { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا }.
يحتمل قوله: { آيَاتُنَا }: أيات القرآن التي كان يتلو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويحتمل آياته: حججه وبراهينه التي توجب التوحيد وتصديق الرسل؟
وقوله - عز وجل -: { قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَـٰذَا }.
قالوا ذلك متعنتين؛ إذ كان يقرع أسماعهم قوله:
{ قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنْسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ } [الإسراء: 88]، وقوله: { فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ... } الآية [البقرة: 23]، ثم لم يكن يطمع أحد منهم أن يأتي بمثله، وتكلفوا في ذلك؛ دل أن قولهم: { لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَـٰذَا } تعنت وعناد.
{ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } كذلك كان يقول العرب: إنه أساطير الأولين.