التفاسير

< >
عرض

هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْغَاشِيَةِ
١
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ
٢
عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ
٣
تَصْلَىٰ نَاراً حَامِيَةً
٤
تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ
٥
لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ
٦
لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ
٧
-الغاشية

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْغَاشِيَةِ } قيل: معناه: قد أتاك حديث الغاشية؛ فإما أن يكون الإتيان سابقا أو إتاه حديث الغاشية بنفس الهذه السورة.
ثم في هذه الآيات ترغيب فيما تحمد عاقبته، وتحذير عما يذم في العاقبة، وتبيين أن العاقبة المحمودة متصلة باكتسابه وكدحه، كذلك العاقبة المذمومة ينالها بعمله ونصبه.
ثم اختلف في تأويل { ٱلْغَاشِيَةِ }:
فقيل: { ٱلْغَاشِيَةِ }: النار تغشاهم، كما قال تعالى:
{ لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ } [الزمر: 16]، وقال في آية أخرى: { وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ } [إبراهيم: 50].
ومنهم من يقول: { ٱلْغَاشِيَةِ }: هي الساعة؛ سميت: غاشية؛ لأنها تغشى الصغير والكبير، والمحمود والمذموم، والشقي والسعيد؛ فتعمهم جميعا؛ وهذا التأويل أقرب؛ لأنه ذكر الغاشية أولا ثم ذكر الجزاء بعد ذلك بقوله: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ }، وقوله - عز وجل -:
{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ } [الغاشية: 8]؟
ثم قوله: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ } اي: ذليلة، وإنما خص الوجه بالذكر؛ لأن الحزن والسرور إذا استحكما في القلب أثرا في الوجه؛ فيكون في ذكر الوجه وصف للغاية التي هم عليها من الذل.
وقوله - عز وجل -: { عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ } قال بعضهم: إلى عبادة الكفرة، و[هو] أنهم بقوا أبدا في النصب والعمل في الدنيا والآخرة.
وجائز أن يكون نصبها وعملها في النار، وهو أنها لم تعمل في الدنيا؛ بل تكبرت عن طاعة الله - تعالى - فأعملها وأنصبها في الآخرة بمعالجة الأغلال والسلاسل في النار الحامية.
أو عملت في الدنيا المعاصي ونصبت في الآخرة؛ فيكون فيه تبيين العمل والجزاء.
وقوله - عز وجل -: { تَصْلَىٰ نَاراً حَامِيَةً }، أي: حارة، قد أحماها الله - تعالى - من يوم خلقت إلى الوقت الذي يسقى منها.
وقوله: { تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ } قيل: الآني: الذي قد انتهى في الحر غايته حتى لا يحر أحر منه.
وقوله - عز وجل -: { لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ }، اختلف في الضريع:
منهم من يقول: سمي: ضريعا؛ لأنهم يتضرعون عنه، ويجزعون إذا طعموا.
ومنهم من جعل الضريع لونا من ألوان العذاب لم يبينه الله - تعالى - للخلق.
ومنهم من قال: الضريع: اسم لنبت قد عرفته العرب فيما بينهم تأكله الإبل والدواب ما دام رطبا؛ فإذا هاج ويبس تركت الدواب أكله، وعافته لخبثه وكثرة ما عليه من الشوك، ويسمونه: شبرقا في الربيع، وإذا هاج وجف، يسمونه ضريعا، فذلك النبت في الدنيا يعمل في إسمان الدابة ويغنيها من الجوع، فنفي الله - تعالى - وجه الإسمان والإغناء، وحصل أمره على الخبث بقوله: { لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ }، وهو كقوله:
{ فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ } [الواقعة: 28-29]، فالسدر اسم شجرة ذات شوك في الدنيا، فأنشئت في الآخرة بلا شوك، ووصف خمر الجنة قال: { لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ } [الواقعة: 19]، والخمر في الدنيا تعمل في التصديع، وهي تنزف؛ فنفى عنها هذه الآفات، وجعلها شرابا سائغا لذة للشاربين، فكذلك الضريع نفى به ما يقع به الإسمان والإغناء، وحصل أمره على الخبث، والله أعلم.