التفاسير

< >
عرض

أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يَنْهَىٰ
٩
عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ
١٠
أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَىٰ ٱلْهُدَىٰ
١١
أَوْ أَمَرَ بِٱلتَّقْوَىٰ
١٢
أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ
١٣
أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ
١٤
كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِٱلنَّاصِيَةِ
١٥
نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ
١٦
فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ
١٧
سَنَدْعُ ٱلزَّبَانِيَةَ
١٨
كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ وَٱسْجُدْ وَٱقْتَرِب
١٩
-العلق

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يَنْهَىٰ * عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ }:
ذكر أهل التأويل أن الذي ينهى: أبو جهل - لعنه الله - { عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ }: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه كان يصلي في الحجر، فكان ينهاه أبو جهل؛ فنزل: { أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يَنْهَىٰ * عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ * أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَىٰ ٱلْهُدَىٰ * أَوْ أَمَرَ بِٱلتَّقْوَىٰ * أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ * أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ }.
[و] جائز أن يجمع هذا كله في الوعيد الذي ذكره على أثر ذلك، وهو قوله: { أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ }، كأنه قال: أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى، أرأيت الذي ينهى من كان على الهدى، أو أمر بالتقوى، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهاه ذلك الكافر إذا صلى، وينهاه عن الهدى، وعن الأمر بالتقوى، أرأيت الذي كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتولى عن طاعة الله تعالى، ألم يعلم بأن الله يرى؟!
يدخل دميع ما ذكر في هذا الوعيد؛ فيكون [ذلك] جوابا لما تقدم من قوله: { أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يَنْهَىٰ * عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ... } إلى آخر ما ذكر.
وجائز أن يكون جواب قوله: { أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يَنْهَىٰ * عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ } مسكوتا عنه؛ ترك للفهم.
ثم قوله: { أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ }، أي: ألم يعلم بأن الله يرى؛ فينتقم [منه] لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
أو: ألم يعلم بأن الله يرى؛ فيدفعه عما هم برسول الله صلى الله عليه وسلم فهو وعيد.
ثم قوله: { أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ } يحتمل وجهين:
أحدهما: قد علم بأن الله يرى جميع ما يقوله، ويفعله، ويهم به، لكنه فعل ذلك على المكابرة والعناد.
والثاني: { أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ } على نفي العلم له بذلك؛ إذ لو علم بأن الله يرى، ويعلم ما يفعله من النهي عن الصلاة والمكر به، لكان لا يفعل ذلك به.
وقوله - عز وجل -: { كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِٱلنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ }:
أي: حقا لئن لم ينته عن صنيعه الذي يصنع برسول الله { لَنَسْفَعاً بِٱلنَّاصِيَةِ }، أي: لنأخذن بالناصية؛ كأنه عبارة عن الآخذ الشديد، والجر الشديد على الناصية.
ثم يحتمل أن يكون ذلك الوعيد له في الدنيا: أنه لو لم ينته عما ذكر:
فإن كان في الدنيا فتكون السفع كناية عن العذاب، أي: لنعذبن.
وقيل: قد أخذ بناصيته يوم بدر، فألقي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قتيلا.
وإن كان في الآخرة، فهو عن حقيقة أخذ الناصية؛ كقوله:
{ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً... } [الإسراء: 97]، وقوله: { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ... } [القمر: 48].
وقال أهل العربية: { لَنَسْفَعاً بِٱلنَّاصِيَةِ }، أي: نقبض، وسفعت ناصيته، أي: قبضت، ويقال: سفعه بالعصا، أي: ضربه بها، ويقال: أسفع بيده، أي: خذ بيده.
وقوله - عز وجل -: { نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ }:
يحتمل ما ذكر من قوله: { كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ } كناية عن النفس.
ويحتمل أن يكون كناية عن الناصية التي تقدم ذكرها.
وقوله - عز وزجل -: { فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ }: أي: أبو جهل، { فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ }، أي: أهل مجلسه في الإعانة له بما يهم برسول الله صلى الله عليه وسلم.
{ سَنَدْعُ ٱلزَّبَانِيَةَ } نحن في الدفع عنه؛ لنرى هل يقدر أن يفعل به ما هم به.
ثم يحتمل ذلك في الدنيا، وقد ذكر أنه قتل يوم بدر.
وجائز أن يكون ذلك الدفع من الزبانية في الآخرة، وسموا: زبانية للدفع، أي: يدفعون النار في النار.
وقيل: الزبانية: الشرط، والواحد: زبينة، والنادى: المجلس، يريد به: قومه.
وقوله - عز وجل -: { كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ }، أي: لا تطع ذلك الكافر، وكان ما ذكر، لم يطعه حتى مات؛ فكان فيه إثبات الرسالة.
وقوله - عز وجل -: { وَٱسْجُدْ وَٱقْتَرِب }:
يحتمل قوله: { وَٱسْجُدْ وَٱقْتَرِب } أن يكون هذا خطابا للنبى - عليه السلام - أي: صل، واقترب إلى الله عز وجل .
ويحتمل أن يكن قوله: { وَٱسْجُدْ } خطابا للنبى - عليه السلام - أي: صل، وقوله: { وَٱقْتَرِب } خطابا لأبي جهل، أي: اقترب إلى محمد؛ حتى ترى على سبيل الوعيد؛ لما كان يقصد المكر بالنبى صلى الله عليه وسلم في حال الصلاة.
ثم على التأويل الظاهر الآية حجة لنا على أهل التشبيه؛ فإنه لم يفهم من قوله: { وَٱقْتَرِب }: القرب من حيث المكان، وقرب الذات، ولكنْ قرب المنزل والقدر، وكذلك ما ذكر في بعض الأخبار:
" { ومن تقرَّب إليَّ شبرا، تقربت إليه ذراعا } "، ونحو ذلك، لا يفهم منه قرب الذات، ولكن قرب المنزلة والقدر بالإجابة، وكذلك جميع ما ذكر في القرآن من القرب: قرب المنزلة والقدر.
ثم في هذه السورة السجدة؛ لما روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه سلم سجد فيها.
وروي عن ابن سيرين عن أبي هريرة أنه قال: "سجد في { إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ }، و{ ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ } - أبو بكر، وعمر، ومَن هو خير منهما".
وروي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال: "في { ٱقْرَأْ }: من عزائم السجود".
و[روى] أبو عبيدة عن الله أنه سجد فيها، والله أعلم.