التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ
٩
دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
١٠
-يونس

حاشية الصاوي

قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } هذا مقابل قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } إلخ. و{ إِنَّ } حرف توكيد ونصب، و{ ٱلَّذِينَ } اسمها، و{ آمَنُواْ } صلته، وجملة { يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ } خبر { إِنَّ } قوله: { آمَنُواْ } أي صدقوا بالله ورسوله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، حلوه ومره. قوله: { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } أي الأعمال المرضية لله ورسوله. قوله: { يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ } أي يوصلهم لدار السعادة وحذف المعمول للعلم به. قوله: { بِإِيمَانِهِمْ } أي بسبب تصديقهم بالله ورسله، أي وبسبب أعمالهم الصالحة أيضاً، فالإيمان والأعمال الصالحة، سببان موصلان لدار السعادة، أو المراد بالإيمان الكامل، ليشمل الأعمال. قوله: (بأن يجعل لهم نوراً يهتدون) أي وتصور لهم الأعمال الصالحة بصورة حسنة، عند خروجهم من القبور، وتقول لصاحبها: كنت أسهرك في الدنيا، وأتعبك فيها، فاركب على ظهري، وذلك قوله تعالى: و { نَحْشُرُ ٱلْمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ وَفْداً } [مريم: 85] بخلاف الكافر، فيحشر يوم القيامة أعمى، لا يهتدي إلى مقصوده، ويأتيه عمله السيىء فيقول له: كنت متلذذاً بي في الدنيا، فأنا أركبك اليوم، وذلك قوله تعالى: { { وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ } [الأنعام: 31].
قوله: { فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } أي بساتين التنعيم، وهذا الاسم يطلق على جميع الجنات، والمعنى أن المؤمنين العاملين للصالحات يوصلهم ربهم لدار كرامته ومحل سعادته، تجري الأنهار بجانب قصورهم، ينظرون إليها من أعلى أماكنهم. قوله: (طلبهم لما يشتهونه في الجنة أن يقولوا) إلخ، أي فهذه الكلمة علامة بين أهل الجنة والخدم في جميع ما يطلبونه، فإذا أرادوا الأكل مثلاً قالوا سبحانك اللهم، فيأتونهم بالطعام على الموائد، كل مائدة ميل في ميل، في كل مائدة سبعون ألف صحفة، في كل صحفة لون من الطعام، لا يشبه بعضها بعضاً، فإذا فرغوا من الطعام، وحمدوا الله على ما أعطاهم، وذلك قوله: { وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } والمراد بما يشتهونه في الجنة، ما كان محموداً في الدنيا، فلا يقال: إن نفوس الفساق قد تشتهي اللواط مثلاً فيفيد أنه يحصل في الجنة، لأنه يقال: المراد بما يشتهونه، ما ليس بشهوات شيطانية لأنهم عصموا منا بالموت، فلا تخطر ببالهم في الجنة، ولا يميل إليهم طبعهم، وكذلك يقال في شهوة المحارم، كالأم والبنت، وأيضاً أهل الجنة، لا أدبار لهم، ولا يتغوطون فيها، لما في الحديث:
"أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ولا يتفلون، ولا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يتمخطون، قالوا فما بال الطعام؟ قال: جشاء، ورشح كرشح المسك، يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس" .
قوله: { وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ } التحية ما يحيا به الإنسان من الكلام الطيب. قوله: (فيما بينهم) أي أو تحية الملائكة لهم. قال تعالى: { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم } [الرعد: 23-24] أو تحية الله لهم. قال تعالى: { سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } [يس: 58]. قوله: { وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ } أي خاتمة تسبيحهم في كل مجلس أن يقولوا: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } وليس معناه انقطاع الحمد، فإن أقوال أهل الجنة وأحوالها لا آخر لها. قوله: (مفسرة) اعترض بأن ضابط المفسرة مفقودة هنا، إذ ضابطها أن يتقدمها جملة فيها معنى القول دون حروفه، وهنا تقدمها مفرد، فكان المناسب أن يقول مخففة من الثقيلة، ويكون اسمها ضمير الشأن، وجملة { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } خبرها.
قوله: { أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أي فأهل الجنة يبتدئون مطالبهم بالتسبيح، ويختمونها بالتحميد. فتلذذهم بالأكل والشرب وسائر النعيم لا يشغلهم عن ذكر الله وشكره. قوله: (ونزل لما استعجل المشركون العذاب) أي لما بين الله سبحانه وتعالى، أن يجيب الداعي بالخير. أدب عباده بأنهم لا يطلبون الشر، بل يطلبون الخير فيعطون، وقوله: (لما استعجل المشركون) قيل: النضر بن الحرث وغيره حيث قالوا: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك، فأمطر علينا حجارة من السماء.