التفاسير

< >
عرض

وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
١١١
فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
١١٢
-هود

حاشية الصاوي

قوله: { وَإِنَّ كُـلاًّ } أي من الطائعين والعاصين، وأتى بالجملة الإسمية المؤكدة بإن، ولام القسم زيادة في تأكيد بشرى المطيع ووعيد العاصي. قوله: (بالتشديد والتخفيف) أي ولما كذلك فتكون القراءات أربعاً وكلها سبعية. قوله: (أي كل الخلائق) أشار بذلك إلى أن التنوين عوض عن المضاف إليه. قوله: (ما زائدة) أي والأصل ليفينهم، فاستثقل اجتماع اللامين فوسطت بينهما ما، لدفع ذلك الثقل. قوله: (واللام موطئة) أي والأخرى للتأكيد. قوله: (أو فارقه)، فكان المناسب حذف قوله أو فارقه، إلا أن يقال إنها مهملة، و{ كُـلاًّ } منصوب بفعل مقدر تقديره وإن يرى طلاً، وفيه أن هذا تكلف، وما لا كلفة فيه خبر مما فيه كلفة، وما ذكره المفسر من الإعراب، مبني على قراءة تشديد إن وتخفيفها مع تخفيف لما، وتوضيحه أن يقال إن حرف توكيد ونصب، وكلاً اسمها، واللام موطئة لقسم محذوف، وما زائدة، واللام الثانية للتأكيد، ويوفينهم فعل مضارع مبني على الفتح، لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، والهاء مفعول، وربك فاعل، وجملة القسم في محل رفع خبر إن. قوله: (بمعنى إلا فإن نافية) هذا ظاهر على قراءة تخفيف إن، وحينئذ فيقال إن نافية، وكلا منصوب بفعل مقدر، والتقدير إن يرى كلاً إلا ليوفينهم إلخ، ولم يتكلم على تشديدهما، هذا حاصل تقرير المفسر، ولا يخفى عليك ما فيه من المناقشة والكلفة والإعراب السالم، من ذلك كله أن يقال: إن القراءات السبعية أربع، تخفيفهما وتشديدهما وتخفيف إن فقط، وتخفيف لما فقط، مع نصب كلاً في الجميع، فعلى الأولى إن مخففة من الثقيلة، وكلا اسمها، واللام الأولى لام ابتداء، وما اسم موصول، واللام الثانية موطئة لقسم محذوف، ويوفينهم جواب القسم، وجملة القسم وجوابه صلة الموصول، والموصول وصلته خبر إن، وعلى الثانية إن عاملة، ولما أصله لمن ما بدخول اللام على من الجارة، قلبت النون ميماً لوالي الأمثال، حذفت إحدى الميمات، وأدغمت إحدى الميمين في الأخرى، فما اسم موصول، وجملة ليوفينهم قسمية صلة الموصول، وهو وصلته خبر إن، وعلى الثالثة فإن المخففة عاملة، واصل لما: لمن ما، فعل بها ما تقدم، وعلى الرابعة إن المشددة عاملة، واللام لام الابتداء، وما اسم موصول في جميع الأوجه كلها. واللام الثانية موطئة للقسم، والأولى لام الابتداء فتأمل، وما قررناه زبدة كلام طويل في هذا المقام فليحفظ. قوله: (أي جزاؤها) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف.
قوله: { فَٱسْتَقِمْ } أي دم على الاستقامة التي أمرت بها في خاصة نفسك، كقيام الليل، وتبليغ ما أمرت بتبليغه للخلق، وعدم فرارك من قتال الكفار واو اجتمعت أهل الدنيا، وغير ذلك من التكاليف العامة له ولغيره والخاصة به. قوله: { وَمَن تَابَ مَعَكَ } قدر المفسر قوله: (ليستق) جواباً عما يقال إن قوله: { وَمَن تَابَ } معطوف على الضمير المستتر في استقم، فيلزم عليه أن فعل الأمر قد رفع الظاهر، فأجاب المفسر: بأن ذلك من عطف الجمل، والمحذور إنما يلزم لو كان من عطف المفردات، ويجاب أيضاً: بأنه قد يغتفر في التابع، ما لا يغتفر في المتبوع.
قوله: { وَلاَ تَطْغَوْاْ } خطاب للنبي والأمة، ولكن المراد الأمة، فإن الطغيان مستحيل على النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الآية صعبة التكليف، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"شيبتني هود وأخواتها" .