التفاسير

< >
عرض

قَالُواْ تَٱللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ ٱلْقَدِيمِ
٩٥
فَلَمَّآ أَن جَآءَ ٱلْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَٱرْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
٩٦
قَالُواْ يٰأَبَانَا ٱسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ
٩٧
قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيۤ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ
٩٨
-يوسف

حاشية الصاوي

قوله: { قَالُواْ } أي من حضر عنده من أولاد بنيه. قوله: { لَفِي ضَلاَلِكَ ٱلْقَدِيمِ } أي من ذكر يوسف وعدم نسيانك إياه، لأنه كان عندهم قد مات وهلك. قوله: (فأحب أن يفرحه) أي فقال لإخوته: إني ذهبت بالقميص ملطخاً بالدم، فأنا اذهب بهذا القميص فأفرحه كما أحزنته، فحمله وخرج به حافياً حاسراً، ومعه سبعة أرغفة لم يستوف أكلها، حتى أتى أباه، وكانت المسافة ثمانين فرسخاً، فلما وصل إليه علمه في نظير تلك البشارة، كلمات كان ورثها من أبيه إسحاق، وهو عن أبيه إبراهيم وهي: با لطيفاً فوق كل لطيف، الطف بي في أموري كلها كما أحب، ورضني في دنياي وآخرتي. قوله: { فَٱرْتَدَّ بَصِيراً } أي رجع بصره لحالته الأولى. قوله: { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } أي من أمور باطنية لا تعلمونها، فأنتم تنظرون للظاهر، وأنا أنظر للباطن.
قوله: { قَالُواْ يٰأَبَانَا } إلخ، أي لما ظهر الحق وتبين، اعتذروا لأبيهم مما وقع منهم. قوله: { ٱسْتَغْفِرْ لَنَا } أي اطلب لنا من ربنا غفران ذنوبنا. قوله: { إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ } أي آثمين. قوله: (أخر ذلك إلى السحر) فلما انتهى إلى وقت السحر، قام إلى الصلاة متوجهاً إلى الله، فلما فرغ منها رفع يديه وقال: اللهم اغفر لي جزعي على يوسف، وقلت صبري عنه، وأغفر لأولادي ما أتوا إلي وإلى أخيهم يوسف، فأوحى الله إليه أني قد غفرت لك ولهم أجمعين. قوله: (أو إلى ليلة الجمعة) أي وقيل إلى الاجتماع بيوسف، ليجتمع معه على الاستغفار والدعاء لهم، ويؤيده ما روي أنه استقبل القبل قائماً يدعو، فقام يوسف خلفه يؤمن، وقاموا خلفهما أذلة خاشعين، حتى نزل جبريل عليه السلام وقال: إن الله قد أجاب دعوتك في ولدك، وعقد مواثيقهم بعدك على النبوة، وهذا إن صح فهو دليل على نبوتهم، ويجاب عما وقع منهم بما مر. قوله: (ثم توجهوا إلى مصر) وقال أصحاب الأخبار: لما دنا يعقوب من مصر، كلم يوسف الملك الأكبر، وعرفه بمجيء أبيه وأهله، فخرج يوسف في أربعة آلاف من الجند، وركب أهل مصر معهم يتلقون يعقوب عليه السلام، وكان يعقوب يمشي وهو يتوكأ على يد ابنه يهودا، فلما نظر إلى الخيل والناس قال: يا يهودا هذا فرعون مصر، قال: لا، بل هذا ابنك يوسف، فلما دنا كل واحد من صاحبه، أراد يوسف أن يبدأ يعقوب بالسلام، فقال له جبريل: خل يعقوب يبدأ بالسلام، فقال يعقوب: السلام عليك يا مذهب الأحزان، وقيل إنهما نزلا وتعانقا، وفعلا كما يفعل الوالد بولده، والولد بوالده، وبكيا، وقيل إن يوسف قال لأبيه: يا أبت بكيت علي حتى ذهب بصرك، ألم تعلم أن القيامة تجمعنا؟ قال: بلى، ولكن خشيت أن يسلب دينك، فيحال بيني وبينك، وخرج يوسف للقاء أبيه في أربعة آلاف من الجند، لكل واحد منهم جبة من فضة، وراية خزو قصب، فتزينت الصحراء بهم، واصطفوا صفوفاً، ولما صعد يعقوب ومعه أولاده وحفدته، نظر إلى الصحراء مملوءة بالفرسان، مزينة بالألوان، فنظر إليهم متعجباً، فقال جبريل: انظر إلى الهواء، فإن الملائكة قد حضرت سروراً بحالك، كانوا باكين محزونين مدة لأجلك، وهاجت الفرسان بعضهم في بعض، وصهلت الخيول، وسبحت الملائكة، وضربت الطبول والبوقات، فصار كأنه يوم القيامة، قيل وكان دخولهم يوم عاشوراء.