التفاسير

< >
عرض

يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ
١٧
مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ ٱشْتَدَّتْ بِهِ ٱلرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَىٰ شَيْءٍ ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ
١٨
أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ
١٩
وَمَا ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ
٢٠
-إبراهيم

حاشية الصاوي

قوله: { يَتَجَرَّعُهُ } أي يكلف تجرعه ويقهر عليه.
قوله: { وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ } أي لا يقرب من إساغته:
" قال عليه الصلاة والسلام في قوله تعالى: { وَيُسْقَىٰ مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ } قال يقرب إلى فيه فيكرهه، فإذا أدني منه، شوى وجهه ووقعت فروة رأسه أي جلدتها بشعرها، فإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبر كما قال { وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ }، وقال { وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَٱلْمُهْلِ يَشْوِي ٱلْوجُوهَ بِئْسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً }" .
قوله: { وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ } أي فيستريح، قال ابن جريج: تعلق نفسه عند حنجرته، فلا تخرج من فيه فيموت، ولا ترجع إلى مكانها من جوفه فتنفعه الحياة. قوله: (بعد ذلك العذاب) أشار بذلك إلى أن الضمير في ورائه عائد على العذاب، وقيل عائد على كل جبار، والمعنى: ويستقبل في كل وقت عذاباً أشد مما هو فيه، كالحيات والعقارب والزمهرير، وغير ذلك، أجارنا الله من ذلك. قوله: (متصل) أي لا ينقطع بل هو دائم مستمر. قوله: (ويبدل منه) أي من الموصول، والأصل مثل أعمال الذين كفروا. قوله: (في عدم الانتفاع بها) أي فهي وإن كانت أعمال بر، إلا أنها لا تنفع صاحبها يوم القيامة بسبب كفره ولأن كفره أحبطها وأبطلها، وإنما جزاؤها إن كانت لا تتوقف على الإسلام، يكون في الدنيا بتوسيع الرزق والعافية في البدن.
قوله: { ٱشْتَدَّتْ بِهِ ٱلرِّيحُ } أي حملته وذهبت به. قوله: (لعدم شرطه) أي وهو الإيمان. قوله: { ٱلْبَعِيدُ } أي الذي لا يرجى زواله. قوله: { أَلَمْ تَرَ } الخطاب لكل من يتأتى منه التأمل والنظر، فليس خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (تنظر) أي تبصر وتتأمل ببصيرتك، فتستدل على أن الخالق متصف بالكمالات. قوله: (استفهام تقرير) أي والمعنى أقر يا مخاطب بذلك واعترف ولا تعاند، فإن القادر على خلق السموات لا يعجزه شيء، فهو حقيق بالعبادة دون غيره. قوله: { بِٱلْحقِّ } الباء إما للسببية أو الملابسة، والمعنى خلق السموات والأرض بسبب الحق أو ملتبساً بالحق، أي الحكمة الباهرة لا عبثاً. قوله: (متعلق بخلق) أي أو بمحذوف حال من فاعل.
قوله: { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ } أي يعدمكم، فإن القادر لا يصعب عليه شيء، قال تعالى:
{ { إِنَّا لَقَٰدِرُونَ * عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ خَيْراً مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } [المعارج: 40-41]. قوله: { وَمَا ذٰلِكَ } أي الإذهاب والإتيان بشديد على الله، قال تعالى: { مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ } [لقمان: 28].