التفاسير

< >
عرض

مَا نُنَزِّلُ ٱلْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِٱلحَقِّ وَمَا كَانُواْ إِذاً مُّنظَرِينَ
٨
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ
٩
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ ٱلأَوَّلِينَ
١٠
وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
١١
كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ
١٢
لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ
١٣
وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ ٱلسَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ
١٤
-الحجر

حاشية الصاوي

قوله: (فيه حذف إحدى التاءين) أي والأصل تتنزل، وفي قراءة سبعية أيضاً، ننزل بضم النون الأولى وفتح الثانية وكسر الزاي المشددة، ونصب الملائكة على المفعولية، وقرىء شذوذاً ما تنزل، بفتح التاء وسكون النون وكسر الزاي، و{ ٱلْمَلائِكَةَ } فاعل.
قوله: { إِلاَّ بِٱلحَقِّ } أي إلا تنزيلاً ملتبساً بالحق لا بما قلتم واقترحتم، والمعنى جرت عادة الله في خلقه، أنه لا يظهر الملائكة إلا لمن يريد إهلاكهم، وهو لا يريد ذلك مع أمته صلى الله عليه وسلم لعلمه بقاءها، وأنه يخرج منها من يعبد الله ويوحده إلى يوم القيامة، فهم لا يجابون لما اقترحوا. قوله: { وَمَا كَانُواْ إِذاً مُّنظَرِينَ } أصل إذن إذ بمعنى حين، فضمت لها أن فصار إذ إن، فاستثقلوا الهمزة فحذفوها فصار إذن، ومجيء لفظة أن، دليل على إضمار فعل بعدها، والتقدير وما كانوا إذ كان ما طلبوه، الخ.
قوله: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ } أي وليس إنزاله بزعمك كما اعتقدوا. قوله: (أو فصل) أي ضمير فصل، واعترض بأن ضمير الفصل لا يكون إلا ضمير غيبة، ولا يقع إلا بين اسمين، وهنا ليس كذلك، وحينئذ فالمناسب للمفسر أن يقتصر على الأول. قوله: { وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } أي حيث جعله معجزاً للبشر، مغايراً لكلامهم، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، باق على مرّ الدهور، سيما وقد جعل الله له خدمة من البشر يحفظونه، فترى الكبير العظيم إذا غلط وهو يقرأ، يرده أصغر صغير في المجلس، مع عدم العيب في ذلك، بخلاف الكتب السماوية، فقد دخل فيها التبديل والتغيير، والزيادة والنقص، ومن معنى هذه الآية قوله تعالى:
{ وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ } [الإسراء: 106] الآية.
قوله: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا } هذا تسلية له صلى الله عليه وسلم. قوله: (رسلاً) قدره إشارة إلى أن مفعول { أَرْسَلْنَا } محذوف، وعدتهم ثلاثمائة وثلاثة عشر أو أربعة عشر، وقيل لا يعلم عدتهم إلا الله تعالى. قوله: { فِي شِيَعِ } جمع شيعة، والمراد بها هنا الفرقة المتفقة في المذهب كان حقاً أو باطلاً، وإضافة شيع للأولين على حذف مضاف، أي في شيع الأمم الأولين. قوله: { وَمَا يَأْتِيهِم } قدر المفسر (كان) إشارة إلى أن المضارع بمعنى الماضي، وأتى به مضارعاً، استحضاراً للحال الماضية للتعجب منها. قوله: { يَسْتَهْزِئُونَ } أي يسخرون. قوله: { كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ } السلك بالفتح إدخال الخيط في اللؤلؤة، وبالكسر نفس الخيط. قوله: (أي مثل إدخالنا التكذيب) أي الذي دل عليه بقوله: { { يَسْتَهْزِئُونَ }. قوله: { وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ } أي طريقتهم، والجملة مستأنفة. قوله: (وهؤلاء مثلهم) أي فانتظر ما ينزل بالمكذبين من العذاب.
قوله: { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم } أي على كفار مكة. قوله: { فَظَلُّواْ } الضمير إما عائد على المشركين، والمعنى فتحنا باب السماء لهؤلاء المشركين، ولو صعدوا إلى السماء ورأوا عجائبها لقالوا إلخ، أو على الملائكة، والمعنى لو كشفنا عن أبصار الكفار، فرأوا باب السماء مفتوحاً، والملائكة تصعد منه لما آمنوا.