التفاسير

< >
عرض

وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُ بِٱلْخَيْرِ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً
١١
وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلَّيلِ وَجَعَلْنَآ آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً
١٢
-الإسراء

حاشية الصاوي

قوله: { وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ } حذفت الواو لالتقاء الساكنين، وحذفت من الخط، تبعاً لحذفها من اللفظ. قوله: (إذا ضجر) أي أصابه شدة الغم والغيظ. قوله: (أي كدعائه) أشار بذلك إلى أن الكلام على التشبيه، والمعنى أن الإنسان إذا أصابه الغم، يدعو على نفسه وأهله بالشر، كما يدعو لهم بالخير، إذا كان منبسطاً راضياً، وتقدم في قوله تعالى { { وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسْتِعْجَالَهُمْ بِٱلْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ } [يونس: 11] الآية، إن الله يستجيب الدعاء بالخير، ولا يستجيب الدعاء بالشر. قوله: { عَجُولاً } أي لا يتأمل في عاقبة ما يريد فعله، بل يقدم على فعل كل ما خطر بباله، فإذا كان كذلك، فينبغي للإنسان التأني في الأمور، وتفويضها إلى الله تعالى، ليحصل له الراحة في الدنيا، والسعادة في العقبى، ولا يتعجل في الأمور، بحيث يسارع إلى الانتقام ممن ظلمه، والدعاء على من أساء إليه، بل الواجب، إما التفويض أو الدعاء للظالم بالهداية والتوفيق للخير.
قوله: { وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ } أي علامتين على عظيم قدرتنا وباهر حكمتنا، حيث جعلناهما على منوال واحد، ينقص هذا ويزيد هذا. قوله: { فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلَّيلِ } أي خلقناه على هذه الحالة، وليس المراد أنه كان مضيئاً ثم محي ضوؤه، وفي الحقيقة في الكلام حكمتان، الأولى: حكمة خلق الليل والنهار من حيث ذاتهما، وهي الدلالة على باهر قدرة صانعهما. الثانية: حكمة كون الليل خلق مظلماً، والنهار خلق مضيئاً، وهي لتسكنوا في الليل، ولتبتغوا من فضله في النهار. قوله: (لتسكنوا فيه) قدره أخذاً له من مقابله، وهو قوله في جانب النهار لتبتغوا، الخ. قوله: (والإضافة للبيان) أي آية هي الليل، وكذا يقال في آية النهار. قوله: (أي مبصراً فيها) هو بفتح الصاد، وأشار بذلك إلى أن الكلام فيه الحذف، والإيصال حذف الجار فاتصل الضمير، فيكون فيه مجاز عقلي، من إسناد الحدث إلى زمانه.
قوله: { لِتَبْتَغُواْ } أي تطلبوا. قوله: { وَلِتَعْلَمُواْ } (بهما) أي فهو متعلق بكل من محونا وجعلنا، لأن علم عدد السنين والحساب، بمرور الليل والنهار جميعاً. قوله: { وَٱلْحِسَابَ } هو معطوف على { عَدَدَ } ولا يقال هو تكرار، لأنه يقال: إن العدد موضوع الحساب. قوله: { وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ } الأحسن أنه من باب الاشتغال، فكل منصوب بفعل محذوف يفسره. قوله: { فَصَّلْنَاهُ } وكذا يقال في قوله:
{ { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ } [الإسراء: 13]. قوله: (للأوقات) أي كآجال الديون، وأوقات الصلاة، والحج والصوم والزكاة، وغير ذلك من أمور الدين والدنيا. قوله: { تَفْصِيلاً } مصدر مؤكد لعامله، إشارة إلى أن الله لم يترك شيئاً من أمور الدين والدنيا، إلا بينه نظير قوله تعالى: { { مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَٰبِ } [الأنعام: 38].