التفاسير

< >
عرض

وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً
٢٤
رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً
٢٥
وَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً
٢٦
-الإسراء

حاشية الصاوي

قوله: { وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ } في الكلام استعارة تبعية في الفعل، حيث شبهت إلانة الجانب بخفض الجناح، والجامع الرأفة في كل، واستعير اسم المشبه به للمشبه، وإضافة جناح للذل، من إضافة الموصوف للصفة، أي جانبك الذليل، وقد أشار لذلك كله المفسر. قوله: (أي لرقتك عليهما) أشار بذلك إلى أن { مِنَ } للتعليل، والمعنى من أجل الرحمة، لا خوفاً من العار مثلاً. قوله: { وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا } أي ادع لهما بالرحمة، ولو في كل يوم وليلة خمس مرات، ولو كافرين إذا كانا حيين، لأن من الرحمة أن يهديهما للإِسلام. قوله: { كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } الكاف للتعليل، أي من أجل أنهما رحماني حين ريباني صغيراً. روي "أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أبوي بلغا مني في الكبر، أني ألي منهما ما وليا مني في الصغر، فهل قضيت حقهما؟ قال: لا، فإنهما كان يفعلان ذلك وهما يحبان بقاءك، وأنت تفعل ذلك وأنت تريد موتهما" .
قوله: { رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ } هذا وعد ووعيد، والمعنى لا عبرة بادعاء البر باللسان، فإن الله عالم بالسرائر. قوله: (طائعين لله) أي في حق الوالدين. قوله: { فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ } مرتب على محذوف، والتقدير وفعلتم معهما خلاف الأدب. قوله: (الرجاعين إلى طاعته) وقيل هم الذين يذكرون ذنوبهم في الخلاء ثم يستغفرون منها، وقيل غير ذلك، وفي الحقيقة الأواب هو التواب. قوله: (ما بادرة) البادرة الزلة تقع خطأ. قوله: (وهم لا يضمرون عقوقاً) الجملة حالية.
قوله: { وَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ } لما قدم حق الله وحق الوالدين، ذكر حق الأقارب وغيرهما، وحق المساكين وأبناء السبيل الأجانب، والخطاب في هذه الآيات، إما للنبي والمراد هو ,امته، لأن الأصل عدم الخصوصية، أو للمكلف والأمر للوجوب عند أبي حنيفة، فعنده يجب على الموسر مواساة أقاربه المحارم، كالأخ والأخت، وللندب عند غيره، ومحل الخلاف في المواساة بالمال بأن ينفق عليهم، وأما صلتهم بمعنى عدم مقاطعتهم ومعاداتهم، فواجبه إجماعاً، كنفقة الأصول والفروع، والآية شاملة لذلك كله. قوله: (من البر) أي الإحسان بالمال، وقوله: (والصلة) أي مطلقاً فهو عطف عام على خاص. قوله: { وَٱلْمِسْكِينَ } المراد به ما يشمل الفقير، والمعنى وآت المسكين حقه من البر والإحسان على حسب الطاقة، فإن ذلك من أوصاف المتقين، قال تعالى:
{ { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ } [الذاريات: 15-16] إلى أن قال { وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } [الذاريات: 19]. قوله: { وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ } أي الغريب، وسمي بذلك لأنه ملازم للطريق فكأنه ابن لها. قوله: (في غير طاعة الله) أي كالمعاصي والشهوات المستغنى عنها، بأن يزيد في الإنفاق على المباح، وهذا مذموم إذا كان المال حلالاً أما إن كان كراماً، فلا يجوز له الإنفاق منه أصلاً، بل يجب عليه أن يرده لأربابه.