التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً
٥٠
مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً
٥١
وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً
٥٢
وَرَأَى ٱلْمُجْرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا مَصْرِفاً
٥٣
-الكهف

حاشية الصاوي

قوله: (منصوب باذكر) أي فإذ ظرف لذلك المقدر. والمعنى اذكر يا محمد لقومك وقت قولنا للملائكة الخ، والمراد اذكر لهم تلك القصة، وقد كررت في القرآن مراراً لأن معصية إبليس أول معصية ظهرت في الخلق. قوله: (سجود انحناء) جواب عما يقال: إن السجود لغير الله كفر، وتقدم الجواب بأن السجود لله وآدم كالقبلة، أو أن محل كون السجود لغير الله كفراً، إن لم يكن هو الآمر به وإلا فالكفر في المخالفة.
قوله: { فَسَجَدُوۤاْ } أي جميعاً. قوله: (قيل هم نوع من الملائكة) أي وعلى هذا القول، فهم ليسوا معصومين كالملائكة، بل يتوالدون ويعصون. قوله: (وإبليس أبو الجن) هذا توجيه لكونه منقطعاً وهو الحق، وعليه فالجن نوع آخر غير الملائكة، فالجن من نار، والملائكة من نور. قوله: (فله ذرية) تفريع على كونه أباً، إذ الأب يستلزم ابناً. قوله: { فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ } أي تكبر وحسد.
قوله: { أَفَتَتَّخِذُونَهُ } الهمزة داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، والاستفهام توبيخي. والمعنى أبعد ما حصل منه ما حصل يليق منكم اتخاذه؟ الخ. قوله: { وَذُرِّيَّتَهُ } عطف على الضمير في تتخذونه، قال مجاهد: من ذرية إبليس، لاقس وولهان، وهما صاحبا الطهارة والصلاة اللذان يوسوسان فيهما، ومن ذريته مرة وبه يكنى: وزلنبور وهو صاحب الأسواق، يزين اللغو والحلف الكاذب ومدح السلع. وبتر وهو صاحب المصائب، يزين خدش الوجوه ولطم الخدود وشق الجيوب. والأعور وهو صاحب الزنا، ينفخ في إحليل الرجل وعجيزه المرأة، ومطروس وهو صاحب الأخبار الكاذبة، يلقيها في أفواه الناس، لا يجدون لها أصلاً. وداسم وهو الذي إذا دخل الرجل بيته ولم يسم ولم يذكر الله دخل معه اهـ. قال القرظي: واختلف هل لإبليس أولاد من صلبه؟ فقال الشعبي: سألني رجل فقال: هل لإبليس زوجة؟ فقلت: إن ذلك عرس لم أشهده، ثم ذكرت قوله تعالى: { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي } فعلمت أنه لا تكون ذرية إلا من زوجة، فقلت: نعم. وقال مجاهد: إن إبليس أدخل فرجه في فرج نفسه، فباض خمس بيضات، فهذه أصل ذريته. وقيل: إن الله خلق له في فخذه اليمنى ذكراً، وفي فخذه اليسرى فرجاً، فهو ينكح هذا بهذا، فيخرج له كل يوم عشر بيضات، يخرج من كل بيضة سبعون شيطاناً وشيطانة، فهو يفرخ ويطير، وأعظمهم عند أبيه منزلة، أعظمهم في بني آدم فتنة. وقال قوم: ليس له أولاد ولا ذرية، وإنما المراد بذريته أعوانه من الشياطين. قوله: (تطيعونهم) أي بدل طاعتي. قوله: (حال) أي من مفعول تتخذون. قوله: { لِلظَّالِمِينَ } متعلق ببدلاً، الواقع تمييزاً للفاعل المستتر، وقوله: (أبليس وذريته) بيان للمخصوص بالذم المحذوف، والأصل بئس البدل إبليس وذريته. قول: (أي إبليس وذريته) تفسير للضمير في { أَشْهَدتُّهُمْ } فالمعنى لم أحضرهم حين خلقت السماوات والأرض، ولا حين خلقت أنفسهم، فكيف تتخذونهم أولياء تطيعونهم.
قوله: { وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ } فيه وضع الظاهر موضع المضمر. قول: { عَضُداً } هو في الأصل العضو الذي هو من المرفق إلى الكتف، ثم أطلق على المعين والناصر، والمراد هنا مقدماً لهم في مناصب خير، بل هم مطرودون عنها، فكيف يطاعون؟ قوله: (بالياء والنون) أي وهما قراءتان سبعيتان. قوله: { ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ } أي زعمتم شركاء، فالمفعولان محذوفان. قوله: (ليشفعوا لكم) متعلق بنادوا. قوله: { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم } أي مشتركاً. قوله: (وادياً من أودية جهنم) قال أنس بن مالك: هوواد في جهنم من قيح ودم. قوله: (من وبق بالفتح) أي كوعد.
قوله: { وَرَأَى ٱلْمُجْرِمُونَ ٱلنَّارَ } أي عاينها من مسيرة أربعين عاماً. قوله: { مَصْرِفاً } أي مكاناً يجلون فيه غيرها.