التفاسير

< >
عرض

فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً
٦
إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً
٧
وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً
٨
-الكهف

حاشية الصاوي

قوله: { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ } الخ، لعل تأتي للترجي وللإشفاق وكل ليس مقصوداً هنا، بل المراد هنا النهي، والمعنى لا تبخع نفسك، أي لا تهلكها من أجل أسفك وغمك على عدم إيمانهم. قوله: (بعدم) تفسير لآثارهم، أي فالآثار جمع أثر، والمراد منه البعدية. قوله: { إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ } شرط حذف جوابه للدلالة ما قبله عليه، والتقدير فلا تهلك، والمقصود منه تسلية النبي صلى الله عليه وسلم، والمعنى لا تحزن على عدم إيمانهم حزناً يؤدي لإهلاك نفسك، وأما أصل الحزن والغم، فهو شرط في الإيمان لا ينهى عنه، لأن الرضا وشرح الصدر بالكفر كفر. قوله: (لحرصك) علة للعلة. قوله: (ونصبه على المفعول) أي والعامل فيه باخع.
قوله: { إِنَّا جَعَلْنَا } كالتعليل لما قبله، فهو من جملة تسليته صلى الله عليه وسلم، وجعل إن كانت بمعنى صير، فزينة مفعول ثان، وإن كانت بمعنى خلق، فزينة حال أو مفعول لأجله، وعلى كل فقوله: { مَا عَلَى ٱلأَرْضِ } مفعول. قوله: (وغير ذلك) أي من باقي النعم التي خلقها الله للعباد، كالذهب والفضة والمعادن. قوله: { زِينَةً لَّهَا } أي يتزين بها ويتنعم، قال تعالى:
{ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ مِنَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَاطِيرِ ٱلْمُقَنْطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ } [آل عمران: 14] الآية. قوله: (لنختبر الناس) أي نعاملهم معاملة المختبر. قوله: (ناظرين إلى ذلك) حال من الناس، أي لنختبر الناس في حال نظرهم إلى الزينة.
قوله: { أَيُّهُم } مبتدأ، و{ أَحْسَنُ } خبر و{ عَمَلاً } تمييز، والجملة في محل نصب، سدت مسد مفعولي نبلو. قوله: (أي أزهد له) تفسير لقوله: { أَحْسَنُ }، والمعنى نميز بين حسن العمل وسيئه بتلك الزينة، فمن زهدها كان من أهل الحسن، ومن رغب فيها كان بضد ذلك فتدبر. قوله: { لَجَاعِلُونَ } أي مصيرون، و{ صَعِيداً } مفعول ثان. قوله: (فتاتاً) بضم الفاء مصدر كالحطام والرفات أي تراباً. قوله: { جُرُزاً } نعت لصعيداً، والمعنى إنا لنعبد ما على وجه الأرض من الزينة، تراباً مستوياً بالأرض، كصعيد أملس لا نبات به. إن قلت: إن قوله: { مَا عَلَيْهَا } صريح في أن الأرض تستمر، فيكون منافياً لقوله في الآية الأخرى
{ يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ } [ابراهيم: 48] أجيب: بأنه خص ما على الأرض من الزينة، لأنه الذي به الغرور والفتنة.