التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ
١٣٩
أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَـاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ ٱللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ ٱللَّهِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
١٤٠
-البقرة

حاشية الصاوي

قوله: { قُلْ } أي يا محمد والخطاب لكل عاقل يريد إقامة الحجة عليهم. قوله: (فله أن يصطفي من عباده من يشاء) أي فلا حرج عليه في أفعاله. قوله: { وَلَنَآ أَعْمَالُنَا } أي فإن كانت النبوة من جهة اصطفاء الله واختياره، فربكم هو ربنا فيختص برحمته من يشاء، وإن كان من جهة العمل فكما لكم أعمال تجازون عليها لنا أعمال نجازى عليها، فنحن مشتركون معكم في العبودية والأعمال. قوله: { وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ } أي لم نشرك به أحداً بخلافكم أنتم فقد زدنا عليكم وصفاً وهو الإخلاص، فكان الأولى بذلك نحن لا أنتم. قوله: (أحوال) أي إما من الواو أو نا، لكن الأظهر في الأخيرة أنها حال من نا، وعامل الحال على كل هو الفعل الذي هو أتحاجوننا. قوله: (بالياء والتاء) فهما قراءتان سبعيتان. قوله: { أَوْ نَصَارَىٰ } أو للتقسيم والتوزيع فاليهود نسبوا لهم اليهودية، والنصارى نسبوا لهم النصرانية.
قوله: { أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ } الهمزة للإستفهام وما بعدها مبتدأ وخبر، والمستفهم عنه يجوز توسطه بين الهمزة وأم كما هنا هو الأحسن، ويجوز في غير القرآن أن تقول أأعلم أنتم أم الله أو أأنتم أم الله أعلم. قوله: { أَمِ ٱللَّهُ } أم معادلة للهمزة التي هي لطلب التعيين، واسم التفضيل ليس على بابه بل للتهكم والإستهزاء. قوله: (أي الله أعلم) أشار بذلك إلى أنه جواب الإستفهام وإن خبر المبتدأ محذوف دل عليه المذكور. قوله: (تبع له) جواب عن سؤال مقدر تقديره إن الله قد برأ إبراهيم ولم يذكر معه أولاده. ومن جملة ما رد عليهم به قوله تعالى:
{ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ وَمَآ أُنزِلَتِ ٱلتَّورَاةُ وَٱلإنْجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [آل عمران: 65]. قوله: (كائنة) { مِنَ ٱللَّهِ } أشار بذلك إلى أن قوله عنده صفة أولى لشهادة، وقوله من الله متعلق بمحذوف صفة ثانية لها. قوله: (لإبراهيم بالحنيفية) أي ولمحمد بالرسالة حيث ذكر الله أوصافه وأخلاقه في كتبهم فغيروها وبدلوها. قوله: { وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } الغفلة هي ترك الشيء مع التمكن من العلم به وذلك مستحيل على الله تعالى، فالمراد بها الإمهال ليوم القيامة، وما يفسر تلك الآية قوله تعالى: { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَارُ } [إبراهيم: 42]. وقوله: (وما الله بغافل عما تعملون) أبلغ في التهديد من قوله: (والله عليم بما تعلمون) مثلاً لأن عدم الغفلة يستلزم العلم فلا يستلزم عدم الغفلة.