التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
٢٢٤
لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ
٢٢٥
-البقرة

حاشية الصاوي

قوله: { وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللَّهَ عُرْضَةً } سبب نزول هذه الآية أن عبد الله بن رواحة كان بينه وبين ختنه أي نسيبه وهو النعمان بن بشير شيء، فحلف أنه لا يصواله أبداً فنزلت، وقيل نزلت في حق الصديق حين حلف على مسطح لما تكلم في الافك أن لا يصله. قوله: { لأَيْمَانِكُمْ } أي افعال بركم، وسميت أيماناً لتعلق الايمان بها وقوله أن تبروا الخ بدل من أيمانكم قوله: (أي نصباً لها) أي عرضاً مانعاً من فعل البر. قوله: (بأن تكثروا الحلف به) هذا تفسير آخر للآية، فكان المناسب للمفسر أن يأتي بأو. قوله: { أَن تَبَرُّواْ } أي تصلوا الرحم مثلاً، وقوله: { وَتَتَّقُواْ } أي تصلوا أو تصوموا مثلاً، وقوله: { وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ } من عطف الخاص على العام، والمعنى أن الفعل الذي يحصل لكم به خير فلا تحلفوا على تركه وهذا على التفسير الأول، وأما على الثاني فلا يحتاج لتقدير لا وإنما يقدر لام التعليل، أي لا تكثروا الحلف بالله لما فيه من ابتذال اسمه تعالى في كل شيء قليل أو كثير عظيم أو حقير، لأجل أن تكونوا من أهل البر والتقوى والاصلاح بين الناس، فالنهي عن الكثرة على هذا والايمان على بابها بمعنى الاقسام، وعرضة بمعنى معروض فهي اسم مفعول أي محل للحلف كغرض الرماة، وعلى الأول فهي بمعنى عارضة، أي لا تجعلوا الله مانعا من بركم وتقواكم واصلاحكم بواسطة القسم به. قول: (فتكره اليمين على ذلك) أي إن كان مندوباً وهو مفرع على التفسير الأول. قوله: (فهي طاعة) أي مندوب وتعتريها الحرمة كما إذا حلف على ترك واجب.
قوله: { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ } اختلف العلماء في معنى اللغو، فقال الشافعي هو ما سبق إليه اللسان من غير قصد عقد اليمين فلا أثم ولا كفارة له، وقال أبو حنيفة ومالك هو أن يحلف على ما يعتقد فيتبين خلافه، وفي الفروع تفاصيل موكولة لأربابها. قوله: { وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } وقعت هنا لكن بين نقيضين باعتبار وجود اليمين لأنها لا تخلوا إما أن لا يقصدها القلب بل جرت على اللسان وهي اللغو عند الشافعي، وإما أن يقصدها وهي المنعقدة، والمعنى لا يؤاخذكم الله بغير المقصود لقلوبكم وإنما يؤاخذكم بالمقصودة لها، وهذا التقرير على مذهب الشافعي، ويقال على مذهب ابي حنيفة ومالك لا يؤاخذكم الله باللغو أي بما حلفتم عليه معتقدين حقيقته بحيث يكون اللسان موافقاً للجنان، ولكن يؤاخذكم بما حلفتم عليه غير معتقدين حقيقته وهي اليمين الغموس، وقد نظم الاجهوري من المالكية صور كفارة اللغو والغموس بقوله:

كفر غموساً بلا ماض يكون كذا لغو بمستقبل لا غير فامتثلا

قوله: (لما كان من اللغو) أي والخطأ. قوله: (بتأخير العقوبة عن مستحقها) أي ومن ذلك اليمين الغموس فكفارتها الغمس في جهنم.