التفاسير

< >
عرض

أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَٱنْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَٱنْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَٱنْظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٢٥٩
-البقرة

حاشية الصاوي

قوله: { أَوْ كَٱلَّذِي } هذا كالدليل لقوله: الله ولي الذين آمنوا، فهو من باب اللف والنشر المشوش فمن أراد الله هدايته جعل له كل شيء دليلاً يستدل به على ذات صانعه وصفاته، ومن أراد الله خذلانه أضله بكل شيء وأعمى قلبه عن النظر في المصنوعات، وإنما قدم ما يتعلق بالكافر لقصر الكلام عليه واتصاله بما قبله بخلاف ما يتعلق بالمؤمن، واعلم أنهم ذكروا أن في الكاف قولين: الأول أنها بمعنى مثل وعليه درج المفسر حيث قدر رأيت فيكون المعنى ألم ينته علمك إلى الشخص الذي مر أي مثله وصفته فقوله الكاف زائدة غير مناسب لحله، الثاني أنها زائدة والمعنى ألم ينته علمك إلى الشخص الذي مر الخ. قوله: (وهو عزيز) أي ابن شرخيا كان من بني إسرائيل، قيل كان نبياً وقيل ولياً وقيل هو الخضر وقيل رجل كان كافراً ينكر البعث فأراد الله له الهدى، والقرية قيل هي بيت المقدس كما قال المفسر، وقيل هي القرية التي خرج منها الألوف حذر الموت. قوله: (لما خربها بختنصر) بخت معناه ابن ونصر اسم للصنم، سمي بذلك لأن أمه لما ولدته وضعته عنده فلما وجدوه قالوا بختنصر أي ابن الصنم، وكان كافراً ملك الأرض مشرقاً ومغرباً، وسبب تخريبها أن بني إسرائيل لما طغوا سلط الله عليهم بختنصر فتوجه إليهم في ستمائة راية، فلما ملكهم قسمهم ثلاثة أقسام: قسم قتله وقسم أقره بالشام وقسم استرقه، وكان ذلك مائة ألف، فقسمه بين الملوك الذين كانوا فأصاب كل واحد منهم أربعة فكانوا خمسة وعشرين ألف ملك، وكان من جملة من أسر عزيز، وفك من الأسر فلما مر عليها وهي بهذه الحالة قال ما ذكر.
قوله: { أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا } يحتمل أن المراد في الدنيا أو يوم القيامة، وليس ذلك شكا واستغراباً لفعل الله، بل ذلك سؤال عن تعلق قدرة الله كأنه قال هل تعلقت قدرة الله بإحيائها فيحييها، أو بعدمه فيبقيها على ما هي عليه. قوله: (كيف) وقيل بمعنى متى. قوله: (استعظاماً لقدرته) أي إنه لا يقدر على ذلك إلا صحاب القدرة العظيمة. قوله: (وألبثه) قدره إشارة إلى أن قوله مائة عام متعلق بمحذوف، ولا يصح تعلقه بأماته لأنه لا معنى له. وسبب ذلك أنه لما دخل بيت المقدس وربط حماره فلم يرا أحداً بها ثم رأى أشجارها قد أثمرت فأكل منها ونام فأماته الله في منامه، فلما مضى من موته سبعون سنة، وجه الله ملكاً من ملوك فارس إلى بيت المقدس ليعمره فعمره ورد من بقي من بني إسرائيل إليه، فلما تمت المائدة أحياه الله.
قوله: { أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } أو للاضراب لأنه نام ضحوة النهار فأحيي آخر النهار، فظن أنه يوم النوم، فالبضرورة ليس يوماً كاملاً، قوله: (قيل أصل) أي فهي لام الكلمة والفعل مجزوم بسكون الهاء فأصل سنة سنهة. قوله: (وقيل للسكت) أي فهي زائدة وأصل سنة سنو. قوله: (وفي قراءة بحذفها) أي وصلاً. قوله: (من أنشر ونشر) لف ونشر مرتب. قوله: (ونرفعها) أي نرفع بعضها إلى بعض. قوله: (علم مشاهدة) جواب عن سؤال مقدر. قوله: (أمر من الله له) أي وترقى من علم اليقين إلى عين اليقين، روي أن العزيز لما أحيي ورأسه ولحيته إذ ذاك سوداوان وهو ابن أربعين سنة، ركب حماره واتى محلته، فأنكره الناس وأنكر هو الناس والمنازل، فانطلق على وهم منه حتى أتى منزله، فإذا هو بعجوز عمياء مقعدة قد أدركت زمن عزير، فقال عزير: يا هذه هذا منزل عزير، قالت: نعم، وأين عزير، قد فقدناه منذ كذا وكذا فبكت بكاء شديداً قال: فإني عزير، قالت: سبحانه الله وأني يكون ذلك، قال: قد أماتني الله مائة عام ثم بعثني. قالت: إن عزيراً كان رجلاً مجاب الدعوة فادع الله لي يرد علي بصري حتى أراك، فدعا ربه وسمح بين عينيها فصحتا فأخذ بيدها فقال لها قومي بإذن الله فقامت صحيحة كأنما نشطت من عقال، فنظرت إليه فقالت أشهد إنك عزير، فانطلقت به إلى محلة بني إ سرائيل وهم في أنديتهم، وكان في المجلس ابن لعزير قد بلغ مائة وثماني عشرة سنة وبنو بنته شيوخ، فنادت هذا عزير قد جاءكم فكذبوها، فقالت انظروا فإني بدعائه رجعت إلى هذه الحالة، فنهض الناس فأقبلوا إليه، فقال انبه كان لأبي شامة سوداء بين كتفيه مثل الهلال فكشف فإذا هو كذلك، وقد كان قبل بختنصر ببيت المقدس من قراء التوراة أربعون ألف رجل، ولم يكن يومئذ بينهم نسخة من التوراة ولا أحد يعرف التوراة، فقرأها عليهم عن ظهر قلبه من غير أن يخل منها بحرف، فقال رجل من أولاد المسبيين ممن ورد بيت المقدس بعد هلاك بختنصر حدثني أبي عن جدي أنه دفنت التوراة يوم سبينا في خابية في كرم فإن أريتموني كرم جدي أخرجتها لكم، فذهبوا به إلى كرم جده ففتشوا فوجودها فعارضوها بما أملى عليهم عزير عن ظهر القلب فما اختلفا في حرف واحد، فعند ذلك قالوا هو ابن الله، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.