التفاسير

< >
عرض

وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَٰنٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ
٢٨٣
-البقرة

حاشية الصاوي

قوله: { وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ } فيه استعارة تبعية حيث شبه الظرفية المطلقة بالاستعلاء المطلق، فسرى التشبيه من الكليات للجزيئات فاستعيرت على الموضوعة للاستعلاء الخاص لمعنى في الموضوعة للظرفية الخاصة عكس ولأصلبنكم في جذوع النخل، والجامع بينهما التمكن في كل، فكما أن المسافر متمكن من السفر، كذلك الراكب متمكن من الركوب ومستعل على المركوب، وقد أشار للاستعارة المفسر بقوله: (أي مسافرين).
قوله: { وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً } يصح عطفه على فعل الشرط فهو في حل جزم، أو على خبر كان فهو في محل نصب، أو حالاً فهو في محل نصب أيضاً، ولم يقل ولا شهوداً لأن الشأن وجودهم إذ ذاك بخلاف الكاتب. قوله: { فَرِهَٰنٌ } مبتدأ وقوله مقبوضة صفته وخبره محذوف قدره المفسر بقوله تستوثقون بها والجملة جواب الشرط في محل جزم. قوله: (جمع رهن) أي كل من رهن ورهان جمع لرهن. قوله: (وبينت السنة الخ) جواب عن سؤال مقدر، وهو أن مفهوم الآية أن الرهن في الحصر لا يسوغ أخذه أجاب بأن السنة بينت الجواز في الحضر. قوله: (لأن التوثيق فيه أشد) أي لأن الغالب في السفر عدم وجود الكاتب ونسيان الدين والتعرض للموت. قوله: (اشترط القبض في الرهن) أي وهل يشترط من الراهن الاقباض بأن يسلمه الرهن بيده خلاف عند مالك والشافعي والمعتمد عدم اشتراطه ولا بد أن يكون القبض بعلم الراهن أو وكيله ورضاه، فلو سرقه المرتهن مثلاً ومات الراهن أو فلس فلا يختص المرتهن به بل هو أسوة الغرماء.
قوله: { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً } أي رضي بعضكم وهو صاحب الدين بأمانة بعض وهو المدين. قوله: (فلم يرتهنه) تفريع على قوله فإن أمن الخ. قوله: { فَلْيُؤَدِّ } الخ جواب الشرط وقرن بالفاء لأن الجملة طلبية، وقد أكد ذلك بأمور: منها الأمر، ومنها تسميته أمانة، ومنها الأمر بتقوى الله في الأداء، ومنها التصريح بقوله: الله ربه. قوله: (دينه) إنما سماه أمانة لأنه صار لا يعلم إلا منه. قوله: { وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ } أي ليخش عقاب ربه في الأداء ولا يماطله به.
قوله: { وَلاَ تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَ } أي الإقرار بالدين وسمي شهادة لأنه لا يعلم إلا من المدين فكأنه شاهد بالدين، فحيث كتمه فقد كتم الشهادة بالدين. قوله: { فَإِنَّهُ آثِمٌ } جواب الشرط وقلبه فاعل بآثم. قوله: (ولأنه إذا تبعه غيره) أي في الأثم لأنه سلطان الأعضاء إذا صلح الجسد كله وإذا فسد فسد الجسد كله، قوله: { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } أي فيجازي الخلق على أعمالهم خيراً أو شراً.