التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
٦٢
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
٦٣
ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ فَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُم مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ
٦٤
-البقرة

حاشية الصاوي

قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } هذه الآية معترضة بين قصص بني إسرائيل. قوله: (من قبل) أين قبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كبحيرا الراهب وأبي ذر الغفاري وورقة بن نوفل وسلمان الفارسي وقس بن ساعدة وغيرهم ممن آمن بعيسى ولم يغير ولم يبدل حتى أدرك محمداً وآمن به، وأما من آمن بعيسى وأدرك محمداً ولم يؤمن به فذلك مخلداً في النار، لقوله تعالى: { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } [آل عمران: 85]، والذين اسم إن وآمنوا صلته والذين معطوف عليه وهادوا صلته. قوله: (هم اليهود) من هاد إذا رجع سموا بذلك لرجوعهم من عبادة العجل على أن عربي، وأما على أنه عبراني فعرب فاصله يهوذا اسم أكبر أولاده يعقوب فأبدلت المعجمة مهملة.
قوله: { وَٱلنَّصَارَىٰ } جمع نصراني والياء للمبالغة كأحمرى، سموا بذلك لأنهم نصروا عيسى على كلمة الحق، كما سمي الأنصار أنصاراً لنصرته صلى الله عليه وسلم، وقيل نسبة لناصرة قرية بالشام. قوله: { وَٱلصَّابِئِينَ } أي المائلين عن دينهم. قوله: (أو النصارى) إشارة إلى تنويع الخلاف أي صبؤوا عن دينهم وعبدوا النجوم والملائكة، وقيل فرقة ادعوا أنهم على دين صابئ بن شيث بن آدم. والأرجح ما قاله المفسر. قوله: (من) اسم موصول مبتدأ وآمن صلته والعائد محذوف، قدره المفسر بقوله منهم وبالله متعلق بآمن، وقوله: فلهم أجرهم خبر المبتدأ وقرن بالفاء لما في المبتدأ من العموم، ويصح أن يكون من اسم شرط مبتدأ وآمن فعل الشرط، وقوله فلهم أجرهم جواب الشرط وخبر المبتدأ فيه خلاف، قيل فعل الشرط رقيل جوابه وقيل هما والجملة خبر إن، ويصح أن يكون من بدل اسم إن وجملة فلهم أجرهم خبر إن. قوله: { أَجْرُهُمْ } في الأصل مصدر بمعنى الإيجار، والمراد هنا الثواب وهو مقدار من الجزاء أعده الله لعباده في نظير أعمالهم الحسنة بمحض الفضل. قوله: { وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } أي في الآخرة.
قوله: { مِيثَاقَكُمْ } الخطاب لبني إسرائيل. قوله: { وَ } (قد) { رَفَعْنَا } قدر المفسر لفظ قد إشارة إلى أن الجملة حالية. قوله: { ٱلطُّورَ } في الأصل اسم لكل جبل، لكن المراد به هنا جبل معرفو بفلسطين. قوله: (وقلنا) { خُذُواْ } قدره المفسر إشارة إلى أن خذوا مقول لقول محذوف، وحاصل ذلك أن الله لما آتى موسى التوراة وأمرهم بالسجود شكراً لله أبوا من قبول التوراة ومن السجود، فرفع الله جبل الصور فوق رؤوسهم كأنه سحابة قدر قامتهم وكان على قدرهم، فسجدوا على نصف الجبهة الأيسر فصار ذلك فيهم إلى الآن ثم لما رفع عنهم أبوا. قوله: { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } الترجي بالنسبة للمخاطبين. قوله: (الميثاق) أشار بذلك إلى مرجع اسم الإشارة، وقال البيضاوي: إنه راجع لرفع الجبل وإيتاء التوراة.
قوله: (فلولا فضل الله) لو حرف امتناع لوجود أي امتنع خسرانكم لوجود فضل الله ورحمته، وجوابها يقترن باللام غالباً إن كان مثبتاً فإن كان منفياً بما فالغالب الحذف أو بغيرها فالجواب الحذف وتختص بالجمل الإسمية ومدخولها المبتدأ يجب حذف خبره لإغناء جوابها عنه، قال ابن مالك: وبعد لولا غالباً حذف الخبر حتم. قوله: (بالتوبة) هذا في حق المؤمنين أو قوله وتأخير العذاب في حق الكفارين. قوله: (الهالكين) أي في الدنيا والآخرة. قوله: (عرفتم) أي فتنصب مفعولاً واحداً والعلم والمعرفة قيل مترادفان، ولكن يقال في الله عالم لا عارف لأن السماء توقيفية، وقيل العلم أوسع دائرة من المعرفة لتعلقه بالجزئيات والكليات والبسائط والمركبات بخلاف المعرفة، فلذلك يقال في الله عالم لعموم ما تعلق به علمه لا عارف لأنه يوهم القصور والمعتمد الأول، وقوله لام قسم أي محذوف تقديره والله لقد عرفتم.