التفاسير

< >
عرض

فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىٰ
١٦
وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ
١٧
قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ
١٨
قَالَ أَلْقِهَا يٰمُوسَىٰ
١٩
فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ
٢٠
-طه

حاشية الصاوي

وقوله: (من خير وشر) بيان لما قوله: { فَلاَ يَصُدَّنَّكَ } الخطاب لموسى، والمراد غيره، والفعل مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة. قوله: { فَتَرْدَىٰ } منصوب بفتحة مقدرة على الألف، بأن مضمرة بعد فاء السببية في جواب النهي.
قوله: { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ } أي بعد أن خلع عليه خلعة النبوة والرسالة، بسط له الكلام، ليزداد حباً وشغفاً، ويؤيده بالمعجزات الباهرة، و{ مَا } اسم استفهام مبتدأ و{ تِلْكَ } اسم إشارة خبر، وقوله: { بِيَمِينِكَ } متعلق بمحذوف حال، والعامل فيه معنى الإشارة، وهذا أحسن من جعل تلك اسماً موصولاً بمعنى التي، وبيمينك صلتها، لأنه ليس مذهب البصريين. قوله: (الاستفهام للتقرير) أي فحكمة الاستفهام كون موسى يقر ويعترف بصفات تلك العصا، فيمنحه فوق ما يعلم منها، وليس المراد حقيقة الاستفهام الذي هو طلب الفهم، فإنه مستحيل عليه تعالى لعلمه بها.
قوله: { قَالَ هِيَ عَصَايَ } أي وكانت من آس الجنة، نزل بها آدم منها، ثم ورثها شعيب، فلما زوجه ابنته، أمرها أن تعطيه عصا يدفع بها السباع عن غنمه، وكانت عصا الأنبياء عنده، فوقع في يدها عصا آدم، فأخذها موسى بعلم شعيب، وإنما زاد في الجواب، لأن المقام مقام مباسطة وخطاب الحبيب، ولا شك أن الزيادة في الجواب في هذا المقام، مما يريح الفؤاد، وإلا فكان يكفيه أن يقول هي عصاي. قوله: (عند الوثوب) أي النهوض للقيام. قوله: { وَأَهُشُّ } بضم الهاء، من هش يهش، بمعنى خبط الشجر ليسقط ورقه، وأما هش يهش بكس الهاء، فيقال على اللين والاسترخاء وسرعة الكسر والبشاشة.
قوله: { وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ } أجمل في هذا الجواب، إما حياء من الله تعالى لطول الكلام، أو اتكالاً على علمه تعالى. قوله: (كحمل الزاد) أشار بالكاف إلى أن لها منافع أخرى، فكان يستقي بها الماء من البئر، فيجعلها موضع الحبل، وكل شعبة من شعبتيها تصير دلواً ممتلئاً، وكانت تماشيه وتحادثه، وكان يضرب بها الأرض، فيخرج له ما يأكله يومه، ويركزها فيخرج الماء، فإذا رفعها ذهب الماء، وكان إذا اشتهى ثمرة ركزها، فتغصن غصنين، فصارت شجرة وأورقت وأثمرت، وكانت شعبتان تضيئان بالليل كالسراج، وإذا ظهر له عدو كانت تحاربه. قوله: { فَأَلْقَاهَا } أي طرحها على الأرض. قوله: { فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ } عبر عنها بالحية، وفي آية أخرى بثعبان، وفي أخرى بأنها كالجان، ووجه المجمع أشار له المفسر بقوله: (تمشي على بطنها سريعاً كسرعة الثعبان) الخ. والحاصل أن تسميتها حية باعتبار كونها ثعباناً عظيماً، وجاناً باعتبار سرعة مشيتها. قوله: (المسمى بالجان) أي وهو الثعبان الصغير، وأما الجن فهو النوع المعروف.