التفاسير

< >
عرض

يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ
٢٨
وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّيۤ إِلَـٰهٌ مِّن دُونِهِ فَذٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ
٢٩
أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ
٣٠
-الأنبياء

حاشية الصاوي

قوله: { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } أي فهم يراقبونه في جميع أحوالهم، فلا يقدمون على قول ولا عمل بغير مراده، لعلمهم بأنه تعالى محيط بهم. قوله: { إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ } أي إن كان مؤمناً فلا يقدمون على الشفاعة، إلا لمن علموا أن الله راض عنه ويقبل شفاعتهم فيه. قوله: { وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } أي وجلون لا يأمنون مكره، والإشفاق الخوف مع الإجلال؛ ويرادفه الخشية.
قوله: { وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ } أي من الملائكة المحدث عنهم أولاً بقوله:
{ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ } [الأنبياء: 26] وهذا على سبيل الفرض والتقدير، لأنهم معصومون من الكفر والمعاصي، ويحتمل أن القول قد وقع من بعضهم (وهو إبليس) كما قال المفسر، وكونه من الملائكة، باعتبار أنه كان بينهم وملحقاً بهم في العبادة حتى قيل: إنه كان أعبدهم. قوله: (دعا إلى عبادة نفسه) أي لأجل الاضلال والإغواء، ولا مانع من ذلك، كما يقع لبعض الزنادقة من تشكيلاته لهم في الصور النيرة، كالقمر والشمس وغير ذلك، ودعواه أنه رب العالمين، وكما وقع لبرصيصا العابد، حيث أتى له وهو ومصلوب وقال له: اسجد لي وأنا أخلصك، وإن كان في الواقع معترفاً بالعبودية لله تعالى وآيساً من رحمته. إذا علمت ذلك، فكلام المفسر لا غبار عليه. قوله: { كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ } أي أياها.
قوله: { أَوَلَمْ يَرَ } الهمزة داخلة على محذوف، والواو عاطفة عليه، والتقدير ألم يتفكروا ولم يعلموا. قوله: (بواو ودونها) قراءتان سبعيتان. قوله: { يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } الخ، شروع في ذكر ستة أدلة على التوحيد، وأن ما سوى الله مقهور، وهو القاهر فوق عباده. قوله: { كَانَتَا رَتْقاً } أي شيئاً واحداً، لما روي أن الله خلق السماوات، والأرض بعضها على بعض، ثم خلق ريحاً توسطها ففتقها بها، وقيل خلق السماوات قطعة واحدة مرتفعة، والأرض قطعة واحدة منخفضة، فجعل السماوات سبعاً، والأرض سبعاً، لكن السماوات طباق، والأرض مختلف فيها، قيل مجاوزة لبعضها، كناية عن الأقاليم السبعة، وتقدم الجواب عن جميع السماوات وإفراد الأرض، بأن جنس السماوات مختلف بخلاف الأرض. قوله: (أن كانت لا تمطر) بفتح الهمزة مصدرية، أي كونها لا تمطر فأمطرت.
قوله: { مِنَ ٱلْمَآءِ } الجار والمجرور متعلق بمحذوف مفعول ثان مقدم، و{ كُلَّ شَيْءٍ } مفعول أول مؤخر، والمعنى ناشئاً ومتسبباً عنه. قوله: (نبات وغيره) أي فالحياة في كل شيء بحسبه، فحياة الحيوان قيام الروح به، وحياة النبات بروزه من الأرض وخضرته وإثماره.