التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـٰؤُلاۤءِ يَنطِقُونَ
٦٥
قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ
٦٦
أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
٦٧
قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوۤاْ آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ
٦٨
-الأنبياء

حاشية الصاوي

قوله: { ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ } أي انقلبوا إلى المجادلة والكفر، بعد استقامتهم بالمراجعة، ونكسوا بالتخفيف مبنياً للمفعول في القراءة العامة، وفاعل النكس هو الله كما يشير له المفسر، وقرئ شذوذاً بالتشديد وبالتخفيف مبيناً للفاعل. قوله: (أي ردوا إلى كفرهم) أي الاستمرار عليه. قوله: (وقالوا والله) أشار بذلك إلى أن قوله: { لَقَدْ عَلِمْتَ } الخ، جواب قسم محذوف. قوله: (بكسر الفاء) أي مع التنوين وتركه، وقوله: (وفتحها) أي بترك التنوين، فالقراءات ثلاث سبعيات.
قوله: { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } الهمزة داخلة على محذوف، والفاء عاطفة عليه، والتقدير أجهلتم فلا تعقلون.
- فائدة - ورد في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لم يكذب ابراهيم إلا ثلاث كذبات، ثنتان منهما في ذات الله، قوله: { إِنِّي سَقِيمٌ }، وقوله: { كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا }، وقوله لسارة: (هذه اختي)" والمعنى لم يتكلم بكلام صورته صورة لاكذب، إلا هذه الكلمات الثلاث، فقوله: { إِنِّي سَقِيمٌ } أراد سقيم القلب من ضلالتكم، ووله: { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا } تبكيت لقومه: قوله: (هذه أختي) أي في الدين والخلقة، فهذه الألفاظ صدق في نفسها، ليس فيها كذب أصلاً، ومعنى كون الأولى والثانية في ذات الله، أنهما من أجل غيرته على الله، وأما الثالثة فمن أجل غيرته زوجته، وهذا ما فتح الله به.
قوله: { قَالُواْ حَرِّقُوهُ } القائل ذلك: النمروذ بن كنعان بن سنحاريب بن نمروذ بن كوس بن حسام بن نوح عليه السلام، وقيل رجل من أكراد فارس اسمه هينوب، خسف الله به الأرض. والحكمة في اختيارهم التحريق على غيره من أنواع القتل، أن إبراهيم بادأهم بالفضيحة والشتنيع عليهم، فأحبوا أن يجازوه بما فيه التشنيع والشهرة. قوله: (فجمعوا له الحطب) الخ، حاصل القصة في ذلك: أنه لما اجتمع نمروذ وقومه لأحراق إبراهيم، حبسوه في بيت، وبنوا بنياناً كالحظيرة بقرية يقال لها كوثى، ثم جمعوا له صلاب الحطب وأصناف الخشب مدة شهر، حتى كان الرجل يمرض فيقول: لئن عوفيت لأجمعن حطباً لإبراهيم، وكانت المرأة تنذر في بعض ما تطلبه، لئن أصابته لتحطبن في نار إبراهيم، وكانت المرأة تغزل وتشتري الحطب بغزلها احتساباً في دينها، وكان الرجل يوصي بشراء الحطب وإلقائه فيه، فلما جمعوا ما أرادوا، وأشعلوا في كل ناحية من الحطب ناراً فاشتعلت النار واشتدت، حتى إن كان الطير ليمر بها، فيحتق من شدة وهجها وحرها، فأوقدوا عليها سبعة أيام، فلما أرادوا أن يلقوا إبراهيم، فلم يعلموا كيف يلقونه، فقيل: إن إبليس جاء وعلمهم عمل المنجنيق فعملوه، ثم عمدوا إلى إبراهيم، فقيدوه ورفعوه على رأس البنيان، ووضعوه في المنجنيق مقيداً مغلولاً، فصاحت السماء والأرض ومن فيهما من الملائكة وجميع الخلق إلا الثقلين صيحة واحدة: أي ربنا، إبراهيم خليلك يلقى في النار، وليس في أرضك أحد يعبدك غيره، فائذن لنا في نصرته، فقال الله تعالى: إنه خليلي، ليس لي خليل غيره، وأنا الإله ليس له إله غيري، فإن استغاث بأحدكم أودعاه فلينصره، فقد أذنت له في ذلك، وإن لم يدع غيري، فأنا وليه وأنا أعلم به، فخلوا بيني وبينه، فلما أردوا إلقاءه في النار، أتاه خازن المياه وقال: إن أردت أخمدت النار، وأتاه خازن الهواء وقال: إن شئت طيرت النار في الهواء، فقال إبراهيم: لا حاجة لي إليكم، حسبي الله ونعم الوكيل، روي أنه قال حين أوثقوه ليلقوه في النار: لا إله إلا أنت سبحانك، لك الحمد ولك الملك لا شريك لك. ثم رموا به في المنجنيق إلى النار، فاستقبله جبريل فقال: يا إبراهيم ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا، قال جبريل: فاسأل ربك، فقال إبراهيم: حسبي من سؤالي علمه بحالي، وكان وقت إلقائه فيها ابن ستة عشرة سنة، وقيل ابن ست وعشرين سنة، ولما ألقي فيها، جعل كل شيء يطفئ النار إلا الوزغ، فإنه كان ينفخ في النار، فصم بسبب ذلك، وأمر صلى الله عليه وسلم بقتله، وكان من قتل وزغة في أول ضربة كتب له مائة حسنة، وفي الثانية دون ذلك، وفي الثالثة دون ذلك. ذكر بعض الحكماء، أنا الوزغ لا يدخل بيتاً في زعفران. ومدة مكثه في النار سبعة أيام، وقيل أربعون يوماً، وقيل خمسون يوماً. قوله: (في منجنيق) آلة ترمى بها الحجارة، فارسي معرب، لأن الجيم والقاف لا يجتمعان في كلمة واحدة من كلام العرب.