التفاسير

< >
عرض

وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةَ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ
١١
يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ
١٢
يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ
١٣
إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ
١٤
-الحج

حاشية الصاوي

قوله: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ } نزلت في المنافقين وأعراب البوادي، كان أحدهم إذا قدم المدينة، فصح فيها جسمه، ونتجت بها فرسه مهراً، وولدت امرأته غلاماً، وكثر ماله، قال: هذا دين حسن، وقد أصبت فيه خيراً واطمأن له، وإن أصابه مرض، وولدت امرأته جارية، ولم تلد فرسه، وقل ماله، قال: ما أصبت منذ دخلت في هذا الدين إلا شراً، فينقلب عن دينه، وقوله: (على حرف) حال من فاعل يعبد أي متزلزلاً، وقد صار مثلاً، لكل من كان عنده شك في شيء. قوله: (أي شك في عبادته) أي ضعف يقين فيها. قوله: (شبه بالحال على حرف جبل في عدم ثباته) أشار بذلك إلى أن في الآية استعارة تمثيلية، حيث شبه حال من دخل الإسلام من غير اعتقاد وصحة قصد، بحال الجالس على طرف جبل، تحته مهاوي بجامع التزلزل وعدم الثبات في كلّ؟
قوله: { ٱطْمَأَنَّ بِهِ } أي رضي به وسكن إليه. قوله: { فِتْنَةٌ } المراد بها هنا، كل مكروه للطبع وثقيل على النفس، ولم يقل وإن أصابه شر ليقع في مقابلة الخير، لأن ما ينفر عنه الطبع ليس شراً في نفسه، بل قد يكون خيراً، إذا حصل معه الرضا والتسليم. قوله: { ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ } أي ارتد للحالة التي كان عليها أولاً، من الكفر والاعتراض على الله تعالى. قوله: (بفوات ما أمله) أي وهو كثرة ماله واجتماعه بأحبائه.
قوله: { ذٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ } أي الذي لا خسران مثله، لفوات حظه في الدنيا والآخرة. قوله: (من الصنم) لا مفهوم له، بل مثله كل مخلوق، والحاصل أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فهذه الآية تقال أيضاً لمن التجأ للمخلوق، وترك الخالق معتمداً على ذلك المخلوق، وأما الالتجاء للمخلوق، من حيث إنه مهبط الرحمات، كمواصلة آل البيت والأولياء والصالحين فهو مطلوب، وهو في الحقيقة التجاء للخالق، يقرب ذلك أن الله تعالى أمرنا بالجلوس في المساجد، والطواف بالبيت، وقيام ليلة القدر ونحوها، وما ذاك إلا للتعرض للرحمة النازلة في تلك الأماكن والأزمان، فلا فرق بين الأشخاص وغيرها، فهم مهبط الرحمات لا منشؤها تأمل. قوله: (اللام زائدة) أي ومن مفعول يدعو، و{ يَضُرُّهُ } مبتدأ، و{ أَقْرَبُ } خبره، والجملة صلة { مِن } إن قلت: إنه أثبت الضر والنفع هنا، ونفاهما فيما تقدم، فقد حصل التعارض والتناقض. أجيب: بأن النفي باعتبار ما في نفس الأمر، والإثبات باعتبار زعمهم الباطل. قوله: (هو) قدره إشارة إلى أن المخصوص بالذم محذوف. قوله: (وعقب ذكر الشاك بالخسران) الجار والمجرور حال من (الشاك) والباء للملابسة، وقوله: (بذكر المؤمنين) متعلق بعقب، والمعنى لما ذكر الشاك في الدين حال كونه ملتبساً بالخسران، ذكر عقبه المؤمنين، وما أعد لهم من الثواب الجزيل. قوله: (من الفروض) أي وهي ما أمر بها المكلف أمراً جازماً، يترتب على فعلها الثواب وعلى تركها العقاب، وقوله: (والنوافل) هي ما أمر بها الشخص أمراً غير جازم، يترتب على فعلها الثواب، وليس في تركها عقاب. قوله: { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا } أي من تحت قصورها. قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } أي فلا معقب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل.