التفاسير

< >
عرض

عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ
٩٢
قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ
٩٣
رَبِّ فَلاَ تَجْعَلْنِي فِي ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ
٩٤
وَإِنَّا عَلَىٰ أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ
٩٥
ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ٱلسَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ
٩٦
وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ
٩٧
وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ
٩٨
حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ
٩٩
لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ
١٠٠
فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ
١٠١
فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
١٠٢
وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فأُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ
١٠٣
-المؤمنون

حاشية الصاوي

قوله: { عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ } هذا دليل آخر على الوحدانية كأنه قال: الله عالم الغيب والشهادة، وغيره لا يعلمهما، فغيره ليس إله. قوله: (بالجر صفة) أي للفظ الجلالة أو بدل منه، وقوله: (والرفع خبر) هو مقدراً، أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: { فَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } عطف على معنى ما تقدم كأنه قال: علم الغيب فتعالى.
قوله: { قُل رَّبِّ } الخ، هذا أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بكيفية دعاء يتخلص به من عذابهم وهو مجاب، لأن الله ما أمره بدعاء إلا استجاب له. قوله: (إن ما) { تُرِيَنِّي } (إن) شرطية، و(ما) زائدة، و{ تُرِيَنِّي } فعل الشرط، والنون للوقاية، والياء مفعول أول، و{ مَا } مفعول ثان، و{ يُوعَدُونَ } صلة { مَا }، و{ رَبِّ } تأكيد للأول، وقوله: { فَلاَ تَجْعَلْنِي } الخ، جواب الشرط. قوله: (بالقتل ببدر) أي وهو الذي رآه بالفعل. قوله: (فأهلك بهلاكهم) أي لأن شؤم الظالم قد يعم غيره. إن قلت: إن رسول الله معصوم من جعله مع القوم الظالمين، فكيف أمره الله بهذا الدعاء؟ أجيب: بأنه أمر بذلك اظهاراً للعبودية، وتواضعاً لربه وتعظيماً لآجره، وليكون في جميع الأوقات ذاكراً لله تعالى.
قوله: { وَإِنَّا عَلَىٰ أَن نُّرِيَكَ } الخ، إن حرف توكيد ونصب، ونا اسمها، والجار والمجرور متعلق بقادرون، و{ مَا } واقعة على العذاب، وقادرون خبر إن، واللام للابتداء زحلقت للخبر، والمعنى: وإنا لقادرون على أن نريك العذاب الذي نعدهم به. قوله: (أي الخصلة) الخ، أشار بذلك إلى أن التي صفة لموصوف محذوف، وقوله: (من الصفح) الخ، بيان للخصلة التي هي أحسن. قوله: (وهذا قبل الأمر بالقتال) أي فهو منسوخ، ويحتمل أن المعنى { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } ولو في حال القتل كأن الله يقول: إذا قدرت عليهم فاصفح عنهم، ولا تعاملهم بما كانوا يعمالونك به، حينئذ فتكون الآية محكمة، وقد حصل منه هذا الأمر عند فتح مكة.
قوله: { وَقُلْ رَّبِّ } أي في كل وقت، لأن العصمة والحفظ من الشيطان أمرها عظيم جداً، وهو وإن كان معصوماً، فالمقصود تعليم أمته، واظهار الالتجاء لربه. قوله: { مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ } جمع همزة وهي النخسة. قوله: (نزغاتهم) أي افسادتهم، والمعنى اتحصن بك من وساوس الشيطان. قوله: { وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ } كرر ذلك للمبالغة والاعتناء بهذه الاستعاذة. قوله: (ابتدائية) أي تبتدأ بعدها الجمل، أشارة إلى أن هذا الكلام منقطع عما قبله، قصد به وصف حال الكافر بعد موته. قوله: (الجمع للتعظيم) جواب عما يقال: لم لم يقل رب ارجعني بالإفراد، مع أن المخاطب واحد؟ وأجيب أيضاً: بأن الواو لتكرير الطلب كأنه قال: ارجعن ارجعن ارجعن، أو الجمع باعتبار الملائكة الذين يقبضون روحه، كأنه استغاث بالله أولاً، ثم رجع إلى طلب الرجوع إلى الدنيا من الملائكة. قوله: (يكون) { فِيمَا تَرَكْتُ } أي بدلاً عنه. قوله: (أي لارجوع) أشار بذلك إلى أن { كَلاَّ } هنا معناها النفي، ومع ذلك فيها معنى الردع والزجر. قوله: (أي رب ارجعون) أي وما بعدها.
قوله: { وَمِن وَرَآئِهِمْ } الجمع باعتبار معنى أحد. قوله: { بَرْزَخٌ } هو المدة التي من حين الموت إلى البعث، والمعنى أن بينهم وبين الرجعة حجاباً ومانعاً من الرجوع وهو الموت، إذا علمت ذلك، فالأموات لا تعود أجسامهم في الدنيا بأرواحهم كما كانوا أبداً وإنما يبعثون يوم القيامة، لا فرق بين الأنبياء وغيرهم، وما ورد عن بعض الصالحين، من أنهم يجتمعون بالنبي صلى الله عليه وسلم يقظة، فالمراد أن روحه الشريفة، تشكلت بصورة جسده الشريف، وكذا يقال في الأولياء والشهداء، لأن أرواح المطيعين مطلقة غير محبوسة، وأما الكفار فأرواحهم محبوسة لا تسعى في الملكوت. قوله: (ولا رجوع بعده) أي يوم البعث. قوله: (النفخة الأولى) هو قول ابن عباس، وقوله: (أو الثانية) هو قول ابن مسعود. قوله: (يتفاخرون بها) جواب عما يقال: إن الأنساب ثابتة بينهم لا يصح نفيها، فأجاب: بأن المعنى لا أنساب بينهم لا يتفاخرون بأنسابهم. وأجيب أيضاً: بأن معنى لا أنساب بينهم، لا أنساب تنفعهم، لزوال التراحم والتعاطف من شدة الحسرة والدهشة. قوله: (خلاف حالهم في الدنيا) أي لأنهم كانوا يسألون عن بعضهم في الدنيا. قوله: (لما يشغلهم من عظم) علة لقوله: { وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } ودفع بذلك ما يقال: كيف الجمع بين هذه الآية وآية
{ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } [الصافات: 27] فجمع المفسر بأن القيامة مواطن مختلفة، وهذا مبني على أن المراد النفخة الثانية، وأما على أن المراد النفخة الأولى، فوجه الجمع أن نفي السؤال، إنما هو عند النفخة الأولى لموتهم حينئذ وإثباته، وإنما هو بعد النفخة الثانية.
قوله: { مَوَازِينُهُ } الجمع إما للتعظيم أو باعتبار الموزون. قوله: (بالحسنات) الباء سببية أي بسبب ثقل الحسنات. قوله: (بالسيئات) أي بسبب ثقل السيئات، والمعنى فمن رجحت حسناته { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }، ومن رجحت سيئاته { فأُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ } الخ. قوله: (فهم) { فِي جَهَنَّمَ } أشار المفسر إلى أن قوله: { فِي جَهَنَّمَ } خبر لمحذوف.