قوله: {وَمَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَآ} أشار بذلك إلى أن الدنيا حقيرة لا تزن جناح بعوضة، فينبغي للعاقل التجافي عنها، ويأخذ منها بقدر ما يوصله للآخرة، قال بعض العارفين:
تأمل في الوجود بعين فكر ترى الدنيا الدنية كالخيال
ومن فيها جميعاً سوف يفنى ويبقى وجه ربك ذو الجلال
قوله: {إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ} اللهو الاشتغال بما فيه نفع عاجل، واللعب الاشتغال بما لا نفع فيه أصلاً. قوله: (وأما القرب) أي كالتوحيد والذكر والعبادة. قوله: (بمعنى الحياة) أي الدائمة الخالدة الي لا زوال فيها. قوله: (ما آثروا الدنيا عليها) جواب لو، أي ما قدموا لذة الدنيا على الآخرة. قوله: {فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلْفُلْكِ} الخ. أي وذلك لأن الكفار كانوا إذا ركبوا البحر حملوا معهم الأصنام، فإذا اشتدت الريح، ألقوها في البحر وقالوا: يا رب يا رب، ودعوا الله مخلصين حالة الكرب. قوله: {إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} جواب لما، والمعنى عادوا إلى شركهم لأجل كفرهم بما أعطاهم الله، وتلذذهم بأعراض الدنيا، فلم يقابلوا النعم بالشكر بخلاف المؤمنين. قوله: {لِيَكْفُرُواْ} اللام لام العاقبة والصيرورة، وقوله: {وَلِيَتَمَتَّعُواْ} عطف عليه. قوله: (وفي قراءة بسكون اللام) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (أمر تهديد) أي في الفعلين، بدليل الوعيد المرتب عليهما بقوله: {فَسَوْفَ يَعلَمُونَ} فالحاصل أنه إذا سكت اللام في الثاني، تعين كونها للأمر في الفعلين، وإن لم تسكن كانت في الفعلين للعاقبة والصيرورة.
قوله: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ} الهمزة داخلة على محذوف، والواو عاطفة عليه، والتقدير أعموا ولم يروا، الخ. قوله: {وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ} الجملة حالية على تقدير المبتدأ، أي وهم يتخطف، الخ. قوله: (أي لا أحد) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي. قوله: {وَٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} قال المفسرون: إن هذه الآية نزلت قبل الأمر بالجهاد لكونها مكية، وحينئذ فالمراد بالجهاد فيها جهاد النفس، قال الحسن: الجهاد مخالفة الهوى، وقال الفضيل بن عياض: والذين جاهدوا في طلب العلم، لنهدينهم سبل العمل به، وقال سهل بن عبد الله: والذين جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سبل ثوابنا. وقيل: الذين جاهدوا فيما علموا، لنهدينّهم إلى ما لم يعلموا، لما في الحديث: "من عمل بما علم علمه الله علم ما لم يعلم" ، وقوله: {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} أي طرق الوصول إلى مرضاتنا، فالطريق هي العمل بالأحكام الشرعية، وثمرتها الحقيقة، وهي العلوم والمعارف المشار اليها بقوله تعالى: { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً } [الجن: 16]. قوله: {لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَ} فيه إقامة الظاهر مقام المضمر، لإظهار شرفهم بوصف الإحسان، والمعنى وإن الله لمعهم بالعون والنصر والمحبة، فهي معية خاصة، واليها الاشارة بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: "فإذا أجبته كنت سمعه الذي يسمع به" الحديث.