التفاسير

< >
عرض

قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ ٱشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ
٦٤
يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ وَمَآ أُنزِلَتِ ٱلتَّورَاةُ وَٱلإنْجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
٦٥
-آل عمران

حاشية الصاوي

قوله: { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ } سبب نزولها أن نصارى نجران اختصموا مع اليهود في شأن إبراهيم، فزعمت النصارى أنه كان نصرانياً وهم على دينه، وزعمت اليهود أنه كان يهودياً وهم على دينه، فقدموا متحاكمين إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم كلا الفريقين كاذب، فقالت النصارى ما تريد إلا أن نتخذك معبوداً كما اتخذت اليهود العزيز رباً، وقالت اليهود ما تريد إلا أن نتخذك معبوداً كما اتخذت النصارى المسيح رباً، فنزلت. قوله: { إِلَىٰ كَلِمَةٍ } متعلق بتعالوا ذكره المتعلق هنا لأن المقصود الاجتماع على هذه الكلمة بخلاف التي قبلها، فإن المقصود منها مجرد الأقبال أو حذفه من الأول، وتقديره إلى المباهلة لدلالة الثاني عليه.
قوله: { أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ } هذه الجملة في محل رفع خبر لمحذوف قدره المفسر بقوله هي، وإنما أطلق عليها كلمة مع أنها جمل لارتباط بعضها ببعض، قال ابن مالك: وكلمة بها قد يؤم. نظير قوله تعالى:
{ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا } [المؤمنون: 100]. قوله: (كما اتخذم الأحبار) أي وهم علماء اليهود والرهبان عباد النصارى واتخاذهم أرباباً من حيث إنهم ينسبون التحليل والتحريم والاقالة من الذنوب لهم ولا يتبعون ما أنزل الله، بل المدار عندهم على ما حللته الأحبار والرهبان أو حرموه، وهذه الآية وإن كانت خطاباً لليهود والنصارى إلا أنها تجر بذيلها على من يشرك بالله غيره من المسلمين كضعفاء الإيمان الذين يعتقدون في الأولياء أنهم يضرون أو ينفعون بذواتهم، ويحلون ما حرم الله ويحرمون ما أحل الله، ومع ذلك يحدثون بدعاً عظيمة ما أنزل الله بها من سلطان، ويجعلون تلك البدع طرقاً لهؤلاء الأولياء ويزعمون أنها منجية وإن كانت مخالفة للشرع، ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون (استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هو الخاسرون). قوله: (أعرضوا عن التوحيد) أي لم يمتثلوا أمرك واتبعوا أحبارهم ورهبانهم فيما يأمرونهم به.
قوله: { ٱشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } أي منقادون لله وبرئيون منكم ومن عقائدكم. قوله: (ونزل لما قال اليهود الخ) أي وتحاكموا عند النبي صلى الله عليه وسلم ليفصل بينهما. قوله: (وقالت النصارى كذلك) أي هو نصراني ونحن على دينه.
قوله: { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ } أي اليهود والنصارى. قوله: { لِمَ تُحَآجُّونَ } أي يحاجج بعضكم بعضاً، والإستفهام توبيخي إنكاري. قوله: { فِيۤ إِبْرَاهِيمَ } أي في دينه فهو على حذف مضاف، وإليه يشير المفسر بقوله : (يزعمكم أنه على دينكم). قوله: (بزمن طويل) أي فكان بين التوراة وإبراهيم ألف سنة، وبينه وبين الإنجيل ألفا سنة وتسعمائة وخمسة وسبعون سنة. قوله: (وبعد نزولها الخ) بهذا التقدير تمت الحجة عليهم، فالمعنى أن المانع من كونهم على دين إبراهيم تغييرهم وتبديلهم، وإلا فلو تمسكوا بالتوراة والإنجيل حقيقة لما اختلفوا ولكانوا على دين إبراهيم. قوله: (حدثت اليهودية والنصرانية) أي اللتان ابتدعوهما حيث غيروا التوراة وسموها اليهودية، وغيروا الإنجيل وسموه النصرانية. قوله: { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } أي أغفلتم عما زعمتم فلا تعقلون ما تقولونه.