التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَاءَ ٱلْفِتْنَةِ وَٱبْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ
٧
رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْوَهَّابُ
٨
رَبَّنَآ إِنَّكَ جَامِعُ ٱلنَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ
٩
-آل عمران

حاشية الصاوي

قوله: { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ } قيل سبب نزولها أن وفد نجران قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ألست تقول إن عيسى روح الله وكلمته؟ فقال نعم، فقالوا حسنا أي يكفينا ذلك في كونه ابن الله، فنزلت الآية، والمعنى أن الله أنزل القرآن منه محكم ومنه متشابه، وقوله روح الله وكلمته من المتشابة الذي لا يعرفون معناه ولا يفهمون تأويله، بل معنى ذلك أنه روح من الله أي نوره وكلمته، بمعنى أنه قال له كن فكان، فهو عبد من جملة العباد ميزه الله بالنبوة والرسالة. قوله: (أصله) إنما فسر الأم بذلك لصحة الأخبار بالمفرد عن الجمع، لأن الأصل يصدق بالمتعدد. وأجيب أيضاً بأنه عبر بالمفرد إشارة إلى أن المجموع بمنزلة آية واحدة على حد (وجعلنا ابن مريم وأمه آية) وما سلكه المفسر أظهر. قوله: (المعتمد عليه في الأحكام) أي الذي يعول عليه في أحكام الدين والدنيا هو المحكم، وأما المتشابة فلم يكلف بمعرفة معناه بل نؤمن به ونفوض علمه لله.
قوله: { وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ }. إن قلت هلا نزل كله محكماً لأنه نزل لارشاد العباد ومداره على المحكم لا على المتشابه؟ أجيب بأنه نزل على أسلوب العرب، فإن أسلوبهم التعبير بالمجاز والكناية والتلميح وغير ذلك من المستحسنات، فلو نزل كله محكماً لقالت العرب إن القرآن على لغتنا فهلا ذكر فيه مستحسنات لغاتنا. قوله: (لا يفهم معانيها) أي إلا بفكر وتأمل كما هو مذهب الخلف. قوله: (كأوائل السور) أي بعضها وأدخلت الكاف باقي الآيات المتشابهة. قوله: (وجعله كله محكماً الخ) جواب عن سؤال مقدر كأن قائلاً قال هذه الآية بينت أن القرآن بعضه محكم وبعضه متشابه، وآية أخرى بينت أن كله محكم وآية أخرى أفادت أن كله متشابه، فبين هذه الآيات تناف أجاب المفسر بما ذكره. قوله: (بمعنى أنه ليس فيه عيب) أي لا في ألفاظه ولا في معانيه. قوله: (في الحسن والصدق) قال ابن عباس: تفسير القرآن أربعة أقسام: قسم لا يسع أحداً جهله كقوله:
{ قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [الأخلاص: 1]، وقسم يتوقف على معرفة لغات العرب كقوله: { قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي } [طه: 18]، وقسم تعرفه العلماء الراسخون في العلم، وقسم لا يعلمه إلا الله، وخل تحت القسمين الأخيرين المتشابه، وحكمة الإتيان بالمتشابه الزيادة في الاعجاز عن الإتيان بمثله، فإن المحكم وإن فهموا معناه إلا أنهم عجزوا عن الإتيان بلفظ مثل ألفاظه، والمتشابه عجزوا عن فهم معناه ما عجزوا عن الإتيان بمثله. قوله: (ميل عن الحق) أي إلى الباطل. قوله: (بوقوعهم في الشبهات واللبس) أي كنصارى نجران ومن حذا حذوهم ممن أخذ بظاهر القرآن، فإن العلماء ذكروا أن من أصول الكفر الأخذ بظواهر الكتاب والسنة.
قوله: { وَٱبْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ } معطوف على ابتغاء الأول، والمعنى أنهم يتجرؤون على تفسيره تفسير باطل لا أصل له. قوله: { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ } أي تفسيره على الحقيقة. قوله: { إِلاَّ ٱللَّهُ } (وحده) هذه طريقة السلف واختارها المفسر لكونها أسلم، فالوقف على قوله إلا الله، وأما طريقة الخلف فهي أحكم، فالوقف على أولي الألباب، فالراسخون معطوف على لفظ الجلالة، قال بعضهم ويؤيد طريقة الخلف قوله تعالى بعد ذلك: { وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ }. قوله: { وَٱلرَّاسِخُونَ } كلام مستأنف قالوا وللاستئناف والراسخون مبتدأ، وفي العلم متعلق بالراسخون وخبره يقولون كما قاله المفسر، قال مالك: الراسخ في العلم من جمع أربع خصال: الخشية فيما بينه وبين الله، والتواضع فيما بينه وبين الناس، والزهد فيما بينه وبين الدنيا والمجاهدة فيما بينه وبين نفسه.
قوله: { مِّنْ عِندِ رَبِّنَا } أي ففهمنا المحكم وأخفى علينا المتشابه. قوله: (في الأصل في الذال) أي فأصله يتذكر قلبت التاء ذالاً ثم أدغمت في الذال. قوله: (أصحاب العقول) أي السليمة المستنيرة. قوله: (من يتبعه) أي يتبع الباطل. قوله: { بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } أي بعد وقت هدايتك وتبيينك الحق لنا. قوله: (تثبيتاً) فسر الرحمة هما بذلك لأنه المراد هنا، وأما في غير هذا الموضع فقد تفسر بالمطر أو الغفران. قوله: { إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْوَهَّابُ } أي الذي تعطي النوال قبل السؤال.
قوله: { رَبَّنَآ إِنَّكَ جَامِعُ ٱلنَّاسِ } منادي وحرف النداء محذوف، قدره المفسر إشارة إلى أنه دعاء. قوله: (أي في يوم) أشار بذلك إلى أن اللام بمعنى في. قوله: (فيه التفات) أي على أنه من كلام الراسخين. قوله: (ويحتمل أن يكون من كلامه تعالى) أي فلا التفات فيه على مذهب الجمهور، وأما على مذهب السكاكي ففيه التفات على كل حال لأنه أتى على خلاف السياق. قوله: (روى الشيخان) قصده بذلك الاستدلال على ذم المتبعين للمتشابه ومدح الراسخين. قوله: (فأولئك الذين سمى الله) أي بقوله: { فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ } الآية. قوله: (فاحذروهم) الخطاب لعائشة وإنما ذكر وجمع تعظيماً لها أو إشارة إلى عدم خصوصيتها بذلك. قوله: (وروى الطبراني) أي في معجمه الكبير. قوله: (إلا ثلاث خلال) هذه نسخة وفي أخرى خصال. قوله: (وذكر منها الخ) هذه هي الخلة الثانية وترك اثنتين، ونص الحديث: أخرج الطبراني عن أبي مالك الأشعري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
"لا أخاف على أمتي إلا ثلاث خلال: أن يكثر لهم المال فيتحاسدوا فيقتتلوا، وأن يفتح لهم الكتاب فيأخذه المؤمن يبتغي تأويله وما يعلم تأويله إلا الله. والراسخون في العلم يقولون امنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب، وأن يزداد علمهم فيضعوه ولا يسألوا عنه" .