التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ وَٱخْشَوْاْ يَوْماً لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ
٣٣
إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ
٣٤
-لقمان

حاشية الصاوي

قوله: { ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ } أي امتثلوا أوامره واجتنبوا نواهيه. قوله: { لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ } إلخ، كل من الجملتين نعت ليوماً، والمعنى أن يوم القيامة يقول كل إنسان، نفسي نفسي لا أملك غيرها، ولا يهتم بقريب ولا بعيد، وهذه الآية مخصوصة بالكفار، وأما المسلمون فينتفعون من بعضهم، فالأولاد تنفع الآباء، والآباء تنفع الأولاد، قال تعالى: { { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } [الطور: 21] وأما ما ورد من قوله عليه الصلاة والسلام لفاطمة ابنته: "أنا لا أغني عنك من الله شيئاً" فهو تحذير لها من الكفر الذي به تنقطع الأنساب. قوله: { وَلاَ مَوْلُودٌ } مبتدأ، وهو مبتدأ ثان، و { جَازٍ } خبر الثاني، وهو خبره خبر الأول، أو معطوف على والد. قوله: (في حلمه وإمهاله) أشار بذلك أن الباء سببية، والكلام على حذف مضاف، والأصل لا يغرنكم بسبب حلم الله وامهاله الغرور.
قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } إلخ، نزلت لما قال الحرث بن عمرو للنبي صلى الله عليه وسلم: متى الساعة؟ وأنا قد ألقيت الحب في الأرض فمتى السماء تمطر؟ وامرأتي حامل فهل حملها ذكر أم أنثى؟ وأي شيء أعمله غداً؟ ولقد علمت بأي أرض ولدت، فبأي أرض أموت؟ قوله: (متى تقوم) أي وقت قيامها. قوله: (بالتخفيف والتشديد) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (بوقت يعلمه) أي وفي أي مكان ينزله.
قوله: { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً } أي من حيث ذاتها، وأما بإعلام الله للعبد فلا مانع منه، كالأنبياء وبعض الأولياء، قال تعالى:
{ { وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ } [البقرة: 255] وقال تعالى: { { عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ } [الجن: 26-27] قال العلماء: وكذا ولي، فلا مانع من كون يطلع بعض عباده الصالحين على بعض هذه المغيبات، فتكون معجزة للنبي وكرامة للولي، ولذلك قال العلماء: الحق أنه لم يخرج نبينا من الدنيا، حتى أطلعه الله على تلك الخمس، ولكنه أمر بكتمها، والحكمة في كونه تعالى، أضاف العلم إلى نفسه في الثلاثة الأول: ونفي العلم عن العباد في الأخيرتين منها، مع أن الخمسة سواء في اختصاص الله تعالى بعلمها، ونفي علم العباد بها، أن الثلاثة الأول أمرها عظيم، لا يتوهم في الخلق علمها، بخلاف الأخيرتين فهما من صفات العباد، فربما يتوهمون علمها، فإذا انتفى عنهم علمهما، كان انتفاء علمهم بغيرهما أولى. قوله: { بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } لم يقل بأي وقت تموت فيه، لأن انتقال الإنسان من مكان إلى آخر في وسعه واختياره، فتوهمه علم مكان موته أقرب بخلاف الزمان، ففقه تنبيه على انتقاء علم الأقرب، ليفهم منه علم الأبعد بالأولى. قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ } أشار بذلك إلى أن علمه تعالى، ليس مختصاً بهذه الأشياء المتقدمة، بل هو عليم ببواطن الأشياء كظواهرها.