التفاسير

< >
عرض

لَقَدْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ
٧
إِنَّا جَعَلْنَا فِيۤ أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِىَ إِلَى ٱلأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ
٨
وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ
٩
-يس

حاشية الصاوي

قوله: { لَقَدْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ } أي وهو قوله: { { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [هود: 119، السجدة: 13]. قوله: { عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ } أي أكثر المكلفين من كل زمن، فالأقل متحتم إيمانه، والأكثر متحتم كفره، وتقدم لنا في سورة الأنعام، أن الأقل واحد من ألف. قوله: { فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ } تفريع على ما قبله، وأشار بذلك إلى أن الإيمان والكفر بتقدير الله، فمن طبعه على أحدهما، فلا يستطيع التحول عنه، وإنما الأمر بالإيمان، باعتبار التكليف الظاهري والنوع الاختياري، ومن هنا قول بعض العارفين:

الكل تقدير مولانا وتأسيسه فاشكر لمن قد وجب حمده وتقديسه
وقل لقلبك إذا زادت وساوسه إبليس لما طغى من كان إبليسه

قوله: { إِنَّا جَعَلْنَا فِيۤ أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً } قيل: نزلت في أبي جهل بن هشام وصاحبيه المخزوميين، وذلك أن أبا جهل حلف، لئن رأى محمداً يصلي، ليرضخن رأسه بحجر، فلما رآه ذهب فرفع حجراً ليرميه، فلما أومأ إليه، رجعت يداه إلى عنقه، والتصق الحجر بيديه، فلما عاد إلى أصحابه، أخبرهم بما رأى، فقال الرجل الثاني، وهو الوليد بن المغيرة: أنا أرضخ رأسه، فأتاه وهو يصلي على حالته ليرميه بالحجر، فأعمى الله بصره، فجعل يسمع صوته ولا يراه، فرجع إلى أصحابه فلم يرهم حتى نادوه، فقال الثالث: والله لأشدخن رأسه، ثم أخذ الحجر وانطلق، فرجع القهقري ينكص على عقبيه، حتى خر على قفاه مغشياً عليه، فقيل له: ما شأنك؟ قال شأني عظيم، رأيت الرجل فلما دنوت منه، فإذا فحل يخطر بذنبيه، ما رأيت قط فحلاً أعظم منه حال بيني وبينه، فواللات والعزى لو دنوت منه لأكلني، فأنزل الله تعالى تلك الآية، وفيها إشارة إلى ما يحصل لهم في جهنم من السلاسل والأغلال وعمى أبصارهم، وفيها أيضاً استعارة تمثيلية، حيث شبه حالهم في امتناعهم من الهدى والإيمان، بحال من غلت يده في عنقه وعمي بصره، بجامع أن كلاً ممنوع من الوصول إلى المقصود، فتحصل أن الآية دالة على الأمور الثلاثة: سبب النزول، وما يحصل لهم في الآخرة، وتمثيل لمنعهم من الهدى. قوله: (بأن تضم إليها الأيدي) جعل المفسر هذا، توطئة لإرجاع الضمير للأيدي في قوله: { فَهِىَ إِلَى ٱلأَذْقَانِ } كأنه قال: الأيدي، وإن لم يتقدم لها ذكر صراحة، فهي مذكورة ضمناً في قول الأغلال، لأن الغل يدل عليها. قوله: (مجموعة) قدره إشارة إلى أن قوله: { إِلَى ٱلأَذْقَانِ } متعلق بمحذوف، ولو قدره مرفوعة لكان أظهر، وذلك أن اليد ترفع تحت الذقن، ويلبس الغل في العنق، فتضم اليد إليها تحت الذقن، فحينئذ لا يستطيعون خفض رأس ولا التفاتاً. قوله: (وهذا تمثيل) أي استعارة تمثيلية للمعنى المذكور، وفيه إشارة إلى سبب النزول، وإلى ما يحصل لهم في الآخرة كما علمت. قوله: (بفتح السين وضمها) أي فهما قراءتان سبعيتان.
قوله: { فَأغْشَيْنَاهُمْ } هو بالغين المعجمة في قراءة العامة، أي عطينا أبصارهم، وقرئ شذوذاً بالعين المهملة من العشا، وهو عدم الإبصار ليلاً. والمعنى: أضعفنا أبصارهم عن الهدى كعين الأعشى. قوله: (تمثيل) أي استعارة تمثيلية، حيث شبه حالهم في سد طرق الإيمان عليهم ومنعهم منه، بحال من سدت عليه الطرق، وأخذ بصره بجامع أن كلاً لا يهتدي لمقصوده.