التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ
٦٥
بَلِ ٱللَّهَ فَٱعْبُدْ وَكُن مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ
٦٦
وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ
٦٧
-الزمر

حاشية الصاوي

قوله: { وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ } الخ، اللام موطئة لقسم محذوف، أي والله لقد أوحي الخ، ونائب الفاعل قوله: { لَئِنْ أَشْرَكْتَ } الخ، والمعنى أوحي إليك هذا الكلام. قوله: (فرضاً) أي على سبيل التقدير وفرض المحال، وهو جواب عن سؤال مقدر: كيف يقع الشرك من الأنبياء مع عصمتهم؟ وقيل: المقصود بالخطاب أممهم لعصمتهم من ذلك، إن قلت: كان مقتصى الظاهر لئن أشركتم، فما وجه إفراد الخطاب؟ أجيب: بأن المعنى أوحي إلى كل واحد منهم لئن أشركت الخ، كما يقال: كسانا الأمير حلة، أي كسا كل واحد منا حلة. قوله: { لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } من باب تعب، وقرئ شذوذاً من باب ضرب. قوله: { وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } عطف مسبب على سبب وجملة المعطوف والمعطوف عليه جواب القسم الثاني وهو { لَئِنْ أَشْرَكْتَ }، والقسم الثاني وجوابه جواب عن القسم الأول { وَلَقَدْ أُوْحِيَ } وحذف جواب الشرط وهو إن أشركت للقاعدة. قوله: { بَلِ ٱللَّهَ فَٱعْبُدْ } عطف على محذوف، والتقدير فلا تشرك بل الله الخ. قوله: { وَكُن مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ } أي على ما أعطاك من التوفيق لطاعته وعبادته، لأن الشكر على ذلك، أفضل من الشكر على باقي النعم.
قوله: { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } إن قلت: إن مفهوم الآية يقتضي أن المؤمنين يعرفون الله حق معرفته، ومقتضى قوله صلى الله عليه وسلم:
"سبحانك ما عرفناك حق معرفتك" . وقوله: "سبحان من لا يعلم قدره غيره، ولا يبلغ الواصفون صفته، إنه لا يعلم الله إلا الله" فكيف الجمع بينهما؟ أجيب: بأن الآية محمولة على المعرفة المأمور بها المكلف بتحصيلها، ولا شك أن المؤمنين عرفوه حق معرفته التي فرضت عليهم، وهي تنزيهه عن النقائص، ووصفه بالكمالات، والحديث محمول على المعرفة التي لم تفرض على العباد، وهي معرفة الحقيقة والكنه فتدبر، فتحصل أن العجز عن الإدراك إدراك، والبحث عن الذات أشراك، ولم يكلفنا الله إلا لأن ننزهه عما سواه سبحانه وتعالى. قوله: (أو ما عظموه حق عظمته) مفهومه أنهم عظموه ولا حق تعظيمه وهو كذلك، لأنهم معترفون بأنه الإله الأكبر، الخالق لكل شيء.
قوله: { وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً } الخ، الجملة حالية من لفظ الجلالة والمعنى ما عظموه حق تعظيمه، والحال أنه موصوف بهذه القدرة الباهرة، وقدم الأرض لمباشرتهم لها ومعرفتهم بحقيقتها. قوله: (أي في ملكه وتصرفه) أشار بذلك إلى أنه ليس المراد حقيقة القبض، بل المراد التصرف والملك، ظاهراً وباطناً، بخلاف أمور الدنيا، فإن للعبيد فيها أملاكاً ظاهرية، وقيل: إنه كناية عن انعدامها بالمرة وهو ظاهر، ويقال في الطي مثل ذلك له.