التفاسير

< >
عرض

ذَلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ
٢٣
أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ وَيَمْحُ ٱللَّهُ ٱلْبَاطِلَ وَيُحِقُّ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ
٢٤
وَهُوَ ٱلَّذِي يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ ٱلسَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ
٢٥
وَيَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَٱلْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ
٢٦
-الشورى

حاشية الصاوي

قوله: { ذَلِكَ } مبتدأ، و { ٱلَّذِي يُبَشِّرُ } خبره، والعائد محذوف قدره المفسر بقوله: (به) حذف الجار فاتصل الضمير، وهذا على الصحيح من أنها اسم موصول، وأما على رأي يونس من أنها مصدرية، فلا تحتاج إلى عائد، والتقدير عنده ذلك تبشير الله إلى عباده. قوله: (من البشارة) أي وهي الخبر السار. قوله: (مخففاً ومثقلاً) أي فهما قراءتان سبعيتان.
قوله: { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً } أي قل يا محمد لأمتك: لا أطلب منكم أجراً في نظير تبليغ الرسالة وتبشيري اياكم؛ ولا خصوصية له صلى الله عليه وسلم بذلك، بل جميع الأنبياء لا يسألون الأجرة، لأن سؤال الأجرة على الأمور الأخروية، نقص في حق غير الأنبياء فأولى الأنبياء. قوله: { إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ } اختلف المفسرون في معنى هذه الآية على ثلاثة أقوال، الأول عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان وسط النسب من قريش، ليس بطن من بطونهم إلا وقد ولده،وكان له فيهم قرابة، فقال الله عز وجل: { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ } أي ما بيني وبينكم من القرابة، والمعنى: إن لم تتبعوني، فاحفظوا حق القربى، وصلوا رحمي، ولا تؤذوني، يعد عليكم نفعها، لما في الحديث:
"الرحم معلقة بالعرش تقول: اللهم صل من وصلني، واقطع من قطعني" فثمرته عائدة عليهم لا على النبي صلى الله عليه وسلم. الثاني عنه أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة، لم يكن في يده سعة فقالت الأنصار: إن هذا الرجل هداكم، وهو ابن أختكم، وأجاركم في بلدكم، فلجمعوا له طائفة من أموالكم، ففعلوا ثم أتوه بها فردها عليهم، ونزلت الآية، وحينئذ فالخطاب للأنصار. الثالث عن الحسن: أن معناه إلا أن تجعلوا محبتكم ومودتكم محصورة في التقرب إلى الله بطاعته وخدمته لا لغرض دنيوي، فالقربى على الأول القرابة بمعنى الرحم، وعلى الثاني بمعنى الأقارب، على الثالث بمعنى القرب والتقرب، واعلم أن طلب الأجر على التبليغ لا يجوز لوجوده، الأول: تبري الأنبياء جميعاً منه. الثاني: أن التبليغ واجب، وطلب الأجرة على أداء الواجب لا يليق بأفراد الأمة فضلاً عن الأنبياء. الثالث: أن النبوة أمر عظيم، والدنيا وإن عظمت حقيرة، لا تزن جناح بعوضة، ولا يليق طلب الخسيس في دفع الشريف، وغير ذلك، إن قلت: حيث كان الأمر كذلك، فما معنى الاستثناء في الآية؟ أجيب بجوابين، الأول: أن هذا من تأكيد المدح بما يشبه الذم، على حد قول الشاعر:

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب

فالمعنى: لا أطلب إلا هذا، وهو في الحقيقة ليس بأجر، لأن المودة بين المسلمين واجبة، خصوصاً في حق أشرافهم، وحينئذ فيكون الاستثناء متصلاً بالنظر للظاهر. الثاني: أن الاستثناء منقطع كما قال المفسر، وحينئذ فالكلام تم عند قوله: { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً } ثم قال: { إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ } أي أذكركم قرابتي، والمراد بقرابته قيل: فاطمة وعلي وابناهما، وقيل: هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس، لما "روي عن زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إني تارك فيكم ثقلين: كتاب الله، وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي قيل لزيد بن أرقم: فمن أهل بيته؟ فقال: هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس، وقيل: هم الذين تحرم عليهم الزكاة، وقيل: غير ذلك،" فتحصل أن الخطاب على القول الأول لقريش، وعلى الثاني للأنصار، والعبرة بعموم اللفظ، لأن رحم النبي، رحم لكل مؤمن، لقوله تعالى: { { ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } [الأحزاب: 6] فمحبة أهل البيت، فيها السعادة والسيادة، دنيا وأخرى، والمرء يحشر مع من أحب، وقوله: { فِي ٱلْقُرْبَىٰ } الظرفية مجازية. والمعنى: إلا المودة العظيمة المحصورة في القربى، وإنما لم يعدها باللام لئلا يتوهم زيادة اللام، فيكون الكلام خالياً من البلاغة، فالتعبير بفي للمبالغة، إشارة إلى أنهم جعلوا محلاً للمودة، وهم لها أهل. قوله: (فإن له في كل بطن) أي قبيلة. قوله: (من قريش) أي وهم أولاد النضر بن كنانة أحد أجداده صلى الله عليه وسلم. قوله: { حَسَنَةً } فسرها ابن عباس بالمودة لآل محمد صلى الله عليه وسلم. قوله: (بتضعيفها) أي من عشرة إلى سبعين إلى سبعمائة إلى غير ذلك. قوله: { شَكُورٌ } (للقليل) أي يقبله ويثيب عليه. قوله: (وقد فعل) أي وقد ختم على قلبه صلى الله عليه وسلم بأن صيره على ما ذكر، فدل كلامه على أن مشيئة الختم هنا مقطوع بوقوعها. قوله: { وَيَمْحُ ٱللَّهُ ٱلْبَاطِلَ } كلام مستأنف غير داخل في حيز الشرط، لأنه تعالى يمحو الباطل مطلقاً. قوله: { بِكَلِمَاتِهِ } أي القرآن. قوله: (بما في القلوب) أشار بذلك إلى أنه أطلق المحل وأراد الحال.
قوله: { وَهُوَ ٱلَّذِي يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ } التوبة الانتقال من الأحوال المذمومة إلى الأحول المحموجة، ولها شروط ثلاثة: الإقلاع عن المعصية، والندم على فعلها، والعزم على ألا يعود إليها أبداً فإن كانت المعصية بحق آدمي، فيزاد على هذه الثلاثة رابع، وهو استسماح صاحب الحق، ويكفي عند مالك براءة المجهول، فلا يشترط عنده أن يعين له ذلك الحق، فإذا تاب بالشروط، وقدر الله عليه الوقوع في الذنب مرة أخرى، فإنه يتوب، ولا يقنط من رحمة الله تعالى، ولا ترجع عليه ذنوبه التي تاب منها. قوله: (منهم) أشار بذلك إلى أن { عَنْ } بمعنى من، والقبول بمعنى الأخذ. قوله: (المتاب منها) أي ويصح أن المراد ولو لم يتب، فمن صفاته تعالى أنه يقبل توبة التائب، ويعفو عن سيئات من لم يتب، إذا لا يسأل عما يفعل. قوله: (بالياء والتاء) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (يجيبهم إلى ما يسألون) أشار بذلك إلى أن السين والتاء زائدتان، والموصول مفعول به، والفاعل ضمير يعود على الله تعالى.