التفاسير

< >
عرض

وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
٥٢
صِرَاطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ
٥٣
-الشورى

حاشية الصاوي

قوله: { مِّنْ أَمْرِنَا } { مِّنْ } تبعيضية حال. والمعنى: حال كون هذا القرآن بعض ما نوحيه إليك، لأنه ورد أنه أعطي القرآن ومثله معه. قوله: { مَا ٱلْكِتَابُ } الكلام على حذف مضاف أي جواب { مَا ٱلْكِتَابُ } والمعنى جواب هذا الاستفهام.
قوله: { وَلاَ ٱلإِيمَانُ } إن قلت: إن الأنبياء لم تحجب أرواحهم بدخولها في الأشباح، عن التوحيد الأصلي الكائن في يوم ألست بربكم، بل بعض الأولياء كذلك، فكيف يقال في حق نبينا عليه الصلاة والسلام { وَلاَ ٱلإِيمَانُ } مع أنه كان يتعبد قبل البعثة، وحاشاة أن يعبد الله مع جهله بمعبوده؟ أجاب المفسر: بأن الكلام على حذف مضاف، أي شرائع الإيمان ومعالمه، كالصلاة والصوم والزكاة والطلاق والغسل من الجنابة وتحريم المحارم بالقرابة والصهر، والمراد بالإيمان الإسلام. قوله: (والنفي معلق) صوابه الاستفهام لأنه متأخر عن النفين وهو المعلق للفعل عن العمل لفظاً. قوله: (أو ما بعده) (أو) بمعنى الواو. قوله: { نَّهْدِي بِهِ } صفة لنور، أو سمي نوراً لأن بالنور الاهتداء في الظلمات الحسية، فكذا القآن يهتدى به في الظلمات المعنوية، والمراد الهداية الموصلة بدليل قوله: { مَن نَّشَآءُ }. قوله: { وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ } أي تدل، والمفعول محذوف أي كل مكلف فتحصل أن المعنى أنت يا محمد، عليك البلاغ والدلالة وإقامة الحجج، ونحن نخلق الهداية والتوفيق في قلب من نختاره من عبادنا. قوله: (دين الإسلام) أي وسمي طريقاً، لأنه يحصل به الوصول إلى المقصود كالطريق الحسي. قوله: { صِرَاطِ ٱللَّهِ } بدل من { صِرَاطِ } الأول بدل معرفة من نكرة.
قوله: { أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ } { أَلاَ } أداة استفتاح يؤتى لها للاهتمام بما بعدها، والجار والمجرور متعلق بتصير، قدم للحصر، وأتى بهذه الجملة عقب التي قبلها، اشارة إلى أن كل من الله وإلى الله، فأفاد بالجملة الأولى، أن جميع ما في السماوات وما في الأرض، مملوك وناشئ منه، وأفاد بالجملة الثانية، أن جميع هذه الأشياء مرجعها إليه في كل ذرة ولمحة، فلا غنى عنه تعالى، والمراد من المضارع الدوام. والمعنى: شأنه رجوع الأمور إليه تعالى، وليس المراد حقيقته لأن الأمور متعلقة به في كل وقت، فإذا علمت ذلك، فكل شيء لا يستغني عن الله تعالى طرفة عين، قال العارف الشاذليب: ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أقل من ذلك، فإذا شاهد الإنسان ذلك أورثه مقام المراقبة، ورؤية عجز نفسه واضطرارها وافتقارها إلى مالكها، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
فائدة: قال سهل بن أبي الجعد: احترق مصحف فلم يبق إلا قوله: { أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ } وغرق مصحف فانمحى كله إلا قوله: { أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ } انتهى.