التفاسير

< >
عرض

أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَآ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ
٥
رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
٦
رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ
٧
لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ
٨
بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ
٩
فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ
١٠
-الدخان

حاشية الصاوي

قوله: { مِّنْ عِنْدِنَآ } صفة لأمراً. قوله: { إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } جملة مستأنفة قصد بها بيان حكمة الإنزال في ليلة مباركة وكونه آمراً.
قوله: { رَحْمَةً } مفعول لأجله، والعامل فيه: إما { أَنزَلْنَاهُ } وإما { أَمْراً } وإما { مُنذِرِينَ } وإما { يُفْرَقُ } وإما { مُرْسِلِينَ } وهو الأقرب، ويصح أن يكون منصوباً بفعل محذوف، أي رحمناهم رحمة، ويصح أن يكون حالاً من ضمير { مُرْسِلِينَ } أي ذوي رحمة، ويصح أن يكون بدلاً من { أَمْراً }. قوله: { مِّن رَّبِّكَ } متعلق برحمة، وفيه التفات من التكلم للغيبة، لمزيد من الإرهاب والترغيب، فالإرهاب للكفار، والترغيب للمؤمنين. قوله: { هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } تعليل لما قبله، وإن حرف توكيد ونصب، والهاء اسمها، وهو ضمير فصل، و { ٱلسَّمِيعُ } خبر أول، و { ٱلْعَلِيمُ } خبر ثان، وقوله: { رَبِّ } خبر ثالث كما قال المفسر، ففيه إشارة لهذا الإعراب. قوله: (فأيقنوا) قدره إشارة إلى أن جواب الشرط محذوف، والجملة الشرطية معترضة بين الأخبار، فإن قوله: { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } خبر رابع. قوله: { رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ } بالرفع في قراءة العامة، على أنه بدل أو بيان أو نعت لرب السماوات والأرض فيمن رفعه، وقرئ شذوذاً بالجر والنصب، فالأول على أنه نعت لرب السماوات وفي قراءة من جره؛ والثاني على المدح.
قوله: { بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ } إضراب على محذوف، والمعنى: فليسوا موقنين { بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ } وقوله: { يَلْعَبُونَ } حال، أي حال كونهم يلعبون بظواهرهم، من الأقوال والأفعالـ والمراد بلعبهم انهماكهم في الفاني واعراضهم عن الباقي، قال تعالى
{ { إِنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ } [محمد: 36]. قوله: (فقال اللهم أعني عليهم بسبع) أي سنين، هذا مفرغ على محذوف، أشار له المفسر بقوله: (استهزاء) أي فلما استهزؤوا به وكثر عنادهم، دعا علهيم بقوله: (اللهم أعني عليهم) أي على هداهم، وفي الحقيقة هو دعاء لهم، لأن من شأن النفوس، أنها إذا شبعت وكثر عليها الخير، تكبرت وطغت وبغت، فإذا جاعت واشتد بها الألم، ذلت وصغرت ورجعت للحق، لما ورد: أن الله تعالى لما خلق النفس قال لها: من أنا؟ قالت له: أنت أنت، وأنا أنا، فألقاها في بحر الجوع، فذلت وقالت أنت الله لا إله غيرك، ومن هنا كانت تربية العارفين نفوسهم بالجوع. قوله: (قال تعالى) أي إجابة لدعوته، واختلف هل حصل ذلك والنبي صلى الله عليه وسلم في مكة، أو بعد هجرته إلى المدينة، وهو الراجح.
قوله: { يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ } مفعول به، وعامله { فَٱرْتَقِبْ }. قوله: { بِدُخَانٍ } الدخان بوزن غراب وجبل ورمان الغبار، والجمع أدخنه ودواخن ودواخين، والتلاوة بوزن غراب. قوله: (فأجدبت الأرض) أشار بذلك إلى أن حصول مطلوبه فيهم بالفعل. قوله: (كهيئة الدخان) أشار بذلك إلى أنه ليس المراد حقيقة الدخان، بل رأوا شيئاً يشبهه من ضعف أبصارهم، وهو قول ابن عباس ومقاتل ومجاهد وابن مسعود، فلما اشتد الأمر عليهم، جاءه أبو سفيان فقال: يا محمد جئت تأمر بصلة الرحم، وإن قومك قد هلكوا، فادع الله أن يكشف عنهم، فدعا لهم بالمطر فنزل واستمر عليهم سبعة أيام، حتى تضرروا من كثرته، فجاء أبو سفيان وطلب منه أن يدعو برفعه، فدعا فارتفع، وقال ابن عمر وأبو هريرة وزيد بن علي والحسن: إنه دخان حقيقة، يظهر في العالم في آخر الزمان، يكون علامة على قرب الساعة، يملأ ما بين المشرق والمغرب، وما بين السماء والأرض، يمكث أربعين يوماً وليلة، وأما المؤمن فيصيبه كالزكام، وأما الكافر فيصير كالسكران، فيملأ جوفه ويخرج من منخريه وأذنيه ودبره، وتكون الأرض كلها كبيت أوقد فيه للنار.